جريمة جامع دار الرئاسة ادخلت اليمن في نفق مظلم من التدهور والانقسام
في الثالث من يونيو عام 2011م، شهدت العاصمة اليمنية صنعاء واحدة من أبشع الجرائم الإرهابية وأكثرها دموية في تاريخ اليمن الحديث، حيث استهدفت ايادي الغدر والخيانة جامع دار الرئاسة أثناء أداء صلاة الجمعة، في محاولة لاغتيال رئيس الجمهورية آنذاك، الزعيم علي عبدالله صالح، وكبار قيادات الدولة. وقد أسفرت هذه الجريمة البشعة عن استشهاد رئيس مجلس الشورى، الشهيد عبدالعزيز عبدالغني، وعدد من الضباط والعسكريين والمصلين المدنيين، بينما أصيب الرئيس وعدد من كبار المسؤولين بإصابات خطيرة.
هذه الجريمة النكراء كشفت عن مدى الإجرام والانحطاط الأخلاقي لمنفذيها، الذين لم يتورعوا عن انتهاك حرمة بيت من بيوت الله، متعمدين تنفيذ عمل إرهابي في مكان مقدس، وأثناء تادية شعيرة دينية. كما ان اختيار جامع دار الرئاسة مسرحاً للجريمة لم يكن عبثياً، بل يعكس خُبث المخططين وسواد قلوبهم، ويدل على أن الهدف لم يكن شخصاً بعينه، بل الدولة اليمنية بكامل مؤسساتها ورموزها السيادية.
إن الجهة التي نفذت هذا العمل الشنيع أرادت أن تُحدث فوضى شاملة في البلاد، وأن تجهز على ما تبقى من استقرار وهيبة للدولة اليمنية. فلم يكن الهدف فقط إزهاق الأرواح، بل تدمير البنية السياسية والعسكرية والاجتماعية للبلاد، وخلق فراغ في السلطة يفتح الباب واسعاً أمام مشاريع الفوضى والانقلاب والتخريب.
لقد مثلت هذه الجريمة البشعة نقطة مفصلية في تاريخ اليمن، إذ أدت إلى دخول البلاد في نفق مظلم من التدهور والانقسام، وتسببت في شلل مؤسسات الدولة، وأعطت الذريعة لقوى داخلية وخارجية للعبث بمقدرات الوطن. وكانت نتائجها كارثية، انهيار اقتصادي، تفاقم الأزمة الإنسانية، انعدام الأمن، تدمير البنية التحتية، وتهجير الملايين من المواطنين، واسقاط هيبة الدولة، وتفكيك مفاصلها الأمنية والسياسية، وتحويل اليمن بعد ذلك إلى ساحة مفتوحة للصراعات المسلحة، والميليشيات الطائفية، والتدخلات الأجنبية.
كما تعرض الشعب اليمني خلال السنوات التالية لأبشع صور المعاناة، بسبب تلك الفوضى التي فُتحت أبوابها على مصراعيها منذ تلك الجريمة الدامية.
في الذكرى الرابعة عشرة لجريمة جامع دار الرئاسة، نقف بكل أسى وإجلال أمام دماء الشهداء، وعلى رأسهم الشهيد عبدالعزيز عبدالغني، ونتذكر تلك اللحظة المؤلمة التي حاولت فيها قوى الشر والإرهاب أن تغتال الوطن بأكمله. ولكننا في الوقت نفسه نرفع صوتنا عالياً لنقول لن تُمحى هذه الجريمة من الذاكرة الوطنية، ولن يفلت مرتكبوها من يد العدالة، مهما طال الزمن.
ونقول في هذه الذكرى الأليمة إن الوطن لا يُبنى بالخيانة، ولا تُحقق المطالب على دماء الأبرياء. ونؤكد أن السلام لن يتحقق في اليمن إلا بإسقاط مشاريع العنف والإرهاب، واستعادة مؤسسات الدولة، والتمسك بوحدة اليمن وسيادته على كامل أراضيه.
لقد كانت جريمة جامع دار الرئاسة جرحاً عميقاً في جسد الوطن، وجريمة لا تسقط بالتقادم، وستظل محفورة في ذاكرة الشعب اليمني كشاهد على زمن انقلبت فيه القيم، وتجرأ فيه الخونة على ارتكاب المحرمات باسم السياسة. وفي كل ذكرى، يتجدد العهد على كشف الحقيقة، ومحاسبة القتلة، والعمل على استعادة اليمن من أنياب الفوضى والتخريب.