شجرة الغريب تصرخ صامتة إلى ضمير الإنسان

في جبال تعز التي ضمّت على مر العصور أسرار التاريخ، واحتضنت الحكايات والقصص والملاحم، تقف شجرة باسقة تُعرف بين الناس بـ"شجرة الغريب"، تلك الشجرة التي يقال إنها كانت ظلّا للمسافرين، وملاذا للمتعبين، وعلامة في الطريق، وواحة من ذاكرة الزمن.

هي ليست مجرد شجرة؛ بل كائن حي يختزن في جذوره وورقه وساقه تاريخا من الصمود، شجرةٌ تتنفس منذ قرون، تقاوم الجفاف، تتحدى الجراح، وتُشبه اليمن في قوتها وصبرها.

لكنها اليوم تئن بصمت، وتنزف دون أن يسمعها أحد تماما كحال اليمن اليوم!

تعرضت الشجرة لانسلاخ مؤلم في الجزء الشرقي من ساقها، وسط ارتفاع كبير في الرطوبة بسبب تراكم المياه حول جذورها. تراكمٌ بدا بسيطا في أعين البعض؛ لكنه كان بمثابة الخنجر في خاصرة الشجرة. بدأت الأنسجة تتعفن، وبدأت الحياة تذبل في جسدها العتيق، دون أن تلوّح، دون أن تصرخ، سوى للقلوب التي ما زالت تنبض بإحساس الأرض. فيا لوجع الغريب!

إن هذه الشجرة من آيات الله في خلقه. يقول تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ (8)﴾ [سورة].

أليس في إنقاذها وفاءً للعهد الرباني بالاستخلاف؟ أليست العناية بها نوعا من الشكر للنعم؟ ألم يقل رسولنا ﷺ: «ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة» [رواه مسلم]؟ فكيف إذا كانت الشجرة من تراث الأمة؟ من روح المكان؟ من شواهد التاريخ؟

إن شجرة الغريب ليست بحاجة إلى عبارات الحزن؛ بل إلى أفعال صادقة. إلى من يرى في كل كائن حي روحا تستحق الحياة. إلى من يعرف أن الحفاظ على الشجر هو من الإيمان، وأن إنقاذ التراث هو إنقاذ للهوية.

نداؤنا موجّه إلى كل غيورٍ على البيئة، كل باحث عن الخير، كل من يحمل ذرة حب لليمن وتاريخه، كل مثقف، وفاعل مدني، وعالم، وتاجر، وناشط، ومحب للجمال: إن شجرة الغريب تستغيث بكل قلب حي، أن لا تُترك وحيدة في مأساتها!

أيا شجرة الغريب! يا من زرعتِ فينا ذاكرة من ظلّك، وعلّمتنا الصبر في جفافك، ووقفتِ في وجه الأعاصير والأزمات..! لسنا نكتب عنك رثاءً؛ بل نكتب عنك وعدا.

لن نسمح لموتك أن يكون نهاية القصة.

سنقوم بما نستطيع: بالتوعية، بالحشد، بالعلم، بالخبرة، بالدعاء، بالعناية، بالمبادرات، بالمحبة... ومن يستطيع أكثر فليتقدم..! فإن الحياة موقف، والمروءة أن نُسعف من لا يستطيع أن يصرخ.

فلنجعل إنقاذ شجرة الغريب رسالة، وموقفا، وصدقة جارية، ومجالا لإحياء ضمير نائم. لعل الله يحيي بها أرضا، ويحيي بها قلوبا، ويُبارك بها أفعالا، فتكون بداية الخير من "الغريب".

نسأل الله أن يحفظ وطننا وكل أشجاره التراثية!

ودمتم سالمين!