نازحون في المنفى ونازحون في أرضنا
بقلم: صفاء المليح
في زمنٍ غاب فيه الأمان، وتبددت فيه الأحلام كأوراق في عاصفة لا ترحم،
صار الوطن غريبًا…
صار البيت سجنًا لا جدران له،
وصار الإنسان مشردًا بين الأرض التي رحل عنها، والأرض التي أجبر أن يبقى فيها.
من هو النازح الحقيقي؟
هل هو من حمل حقيبته وهرب خارج الحدود؟
أم هو من بقي على تراب وطنه، يتسكع بين جدران بيته التي لم تعد تحميه؟
نازحون في المنفى، نغرق في الغربة والحنين…
ونازحون في أرضنا، نحيا الموت ببطء تحت سطوة الجوع والخوف.
هناك، في المنفى، قد تجد سقفًا يُحتمل، وكرامة مكسورة تتشبث ببقايا الأمل.
وهنا، في وطننا، نتنفس هواء الحرمان، نرى العتمة تلتهم كل شيء،
ماء يختفي، دواء يُسلب، وطفولة تُسرق.
أطفالنا لم يعرفوا أبسط حقوق الطفولة،
ونساؤنا يتسلّحن بالصبر، يخنقن دموعهن خلف ابتسامات مكسورة،
وشيوخنا يرفعون أيديهم للسماء، يصيحون "اللهم أرحمنا"...
والصمت يرد.
نحن نازحون داخل وطنٍ خاننا،
داخل بيوتٍ صارت مأوى للألم،
جدرانها تئن تحت وطأة الفقر،
وأسطحها ترقص على لحن الريح الباردة،
والماء والكهرباء؟ أصبحا حلمًا بعيدًا لا ندركه.
نحن نازحون في مخيمات الألم،
ونازحون في قلوبٍ تئن من صمت العالم،
حتى المدينة التي كنا نعرفها، أصبحت غريبةً، صارت تخيفنا، وتعيدنا لأحزاننا.
أيّ ذنب ارتكبناه لنُحاسب على الفقر، الجوع، والخذلان؟
أي جريمة ارتكبنا كي تُنكسر أجنحتنا، ونحيا هكذا… بلا وطن حقيقي؟
لسنا أرقامًا تُسجل في تقارير تُنسى،
لسنا أسماء تُقرأ ثم تُمحى،
نحن أرواح تبحث عن النور، عن الحياة،
نحن وطن يمشي على قدميه المجروحة، يبحث عن مكان يأويه.
فيا من تملكون القرار،
ويا من أغمضتم أعينكم عن صرخاتنا،
اعلموا أن النار التي تحرق خيامنا اليوم،
قد تلتهب غدًا بين جدران قصوركم.
ومن لا يسمع أنين الجائعين…
سيصحو على صراخهم حين لا ينفع الندم.