بوابة الوطن لا تُفتح إلا بأمر الدولة.. قصة حقيقية عن موظف أوقف فخامة الرئيس عند باب المصنع

(أبين الآن) كتب | سهيم الميني
في ليلة هادئة من ليالي عدن، وأمام أحد مرافق الدولة الإنتاجية، وقعت حادثة لا تزال تُروى بفخر على ألسنة من عاصروا "زمن الدولة".
فخامة الرئيس علي ناصر محمد، يرافقه القياديان أحمد مساعد حسين ومحمد علي أحمد، قرروا زيارة مفاجئة إلى مصنع الألبان، إحدى منشآت الدولة الحيوية في العاصمة عدن. وصلوا إلى بوابة المصنع في ساعة متأخرة من الليل، وتقدم الرئيس نحو المناوب الليلي قائلاً:
"افتح الباب.. نريد أن نتجول قليلاً".
كان الموظف الشاب نصر ناصر يقف عند البوابة. فردّ باحترام:
"أعرف من أنتم، أنت فخامة الرئيس، وهؤلاء رفاقك، لكن لم يصلني أي توجيه رسمي بفتح البوابة لأي جهة. هذه أوامر الإدارة".
حاول الرئيس أن يقنعه: "دعنا فقط نتجول قليلاً".
لكن نصر أصرّ على موقفه، قائلاً: "لو سمحت اتصل بمدير المصنع لأتلقى منه توجيهاً".
فأجابه الرئيس: "لن تتصل، فقط افتح".
فقال نصر بكل ثبات: "أعتذر يا فخامة الرئيس".
طلب منه الرئيس علبة حليب، فذهب العامل إلى قسم الإنتاج، وأحضر "بالدي" حليب، ومدّه من فوق البوابة للرئيس، الذي شرب منه وشاركه مرافقيه. ثم قال للرجل:
"بكرة الصباح بيننا".
في صباح اليوم التالي، استُدعي نصر ناصر إلى مكتب مدير المصنع، وهناك وجد الرئيس ومن كان معه، إلى جانب وزير الصناعة والتجارة وكبار مسؤولي الدولة.
التفت الرئيس إلى مدير المصنع، وسأله:
"كم عندك من أمثال هذا الشاب؟ عشرة؟ عشرين؟ هذا نموذج للموظف الذي يحترم مؤسسته ودولته".
ثم وجه الرئيس بمنحه شقة سكنية في التركيبات – المنصورة، ومبلغاً محترماً كمساعدة زواج، وحافزاً مالياً شهرياً. وأمر بتحويله إلى وزير الإسكان، الذي استقبله في اليوم ذاته، وقال له:
"لو فتحت البوابة أمس، كنت اليوم في التحقيق.. لكنك حافظت على كرامة العمل، ومبدأ الدولة".
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد حصل نصر أيضاً على غرفة نوم كاملة، ومطبخ من المؤسسة العامة للنجارة.
يقول العم نصر:
"ما فعلته لم يكن بطولة، بل كان واجباً.. واليوم، أتحسر على ما وصلنا إليه من ضعف هيبة الدولة، واستهتار بالوظيفة العامة، وتلاشي الانضباط الإداري".
نقل لنا العم نصر هذه القصة أمام فرن الروتي في بلوك 45 – المنصورة، وهو أحد كوادر المؤسسة العامة للألبان، وأوصى أن تُسجل كرسالة للقيادات الحالية، لعلها تعيد الاعتبار لمعنى الدولة، والوظيفة، والكرامة.
رحم الله أياماً كانت أبواب الدولة تُفتح فقط بتوجيه، ولو كان الزائر فخامة الرئيس.
إلى قصة أخرى من تاريخ الزمن الجميل..