الجائزة لصانعة الرجال..!!
بقلم: _منصور بلعيدي_
في قصة رمزية تحمل في طياتها معاني العزم والإبداع، استدعى إمبراطور كبير الصاغة في البلاد وطلب منه أن يصنع له إكليلاً من الذهب الخالص، لأنه كان يجهز لمسابقة مهمة.
بعد أسبوع، عاد كبير الصاغة ومعه الإكليل، الذي كان في قمة الروعة والجمال.
فأعلن الإمبراطور أن مسابقة ستقام بعد شهر، والفائز فيها يكون من قدم خدمات جليلة للوطن، ليُتوج بهذا الإكليل.
استنفر الجميع للمشاركة: النحاتون، الشعراء، المهندسون، والأطباء، وكلهم على أتم الاستعداد.
حانت اللحظة، ونُصبت المنصة، وجلس الإمبراطور على كرسيه العالي، وأعطى الإذن ببدء السباق.
تقدم شاب في مقتبل العمر، وقال:
"يا عالي المقام، أنا طبيب، وقد ألفت كتابًا في الطب، فيه وصف لأدوية لم تكن معروفة من قبل، وأدوية متنوعة للصداع، وحرقة الكبد، وقرحة المعدة، وغيرها من الأدوية. وما أطلبه من أجر هو أن أخفف عن رعيتك الألم.
ذهل الإمبراطور من علمه، وصفّق له كثيرًا، وقال في نفسه: "طبيب شاب، بهذه المهارة، وبهذا الحب لوطنه، يبشر بالخير." فطلب منه أن يعود إلى مكانه.
ثم تقدم شاب آخر، وقال:
"يا عالي المقام، أنا شاعر، وقد نظمت قصيدة أريد أن تسمعها."
وألقى قصيدة تغنت بمكارم الأخلاق، وحب الوطن، ومآثر الأجداد، وختمها بالدعاء لعالي المقام.
أعجب الإمبراطور ببلاغته، وقال في نفسه: "كيف لشاب في مقتبل العمر أن يملك كل هذه البلاغة؟"
ثم قال: "هذا خير يبشر بالخير."
عاد الشاب إلى مكانه، وتقدم ثالث، وقال:
"يا عالي المقام، أنا مهندس، وقد جلت أرجاء البلاد، ولم أجد حصونًا أمام الأعداء، فهدا الجسر يجب أن يُهدم لانه سيكون ممراً للاعداء ان هاجمونا ويُبنى آخر هاهنا، والقلعة لا تصلح أن تكون في أسفل الجبل، فهي ستصبح سجناً إذا حاصرنا الأعداء.
القلعة يجب أن تكون على القمة، لنرميهم ولا يرموننا.
وهذه ملاحظاتي العسكرية، وأرجو أن تزود بها قادة الجند."
أُذهل الإمبراطور من ما سمع، وقال: "ما الذي أسمع وأرى؟
بلاد تبشر بالخير." فطلب منه أن يعود إلى مكانه.
قبل أن يُنادى على المتسابق الرابع، رأى امرأة مسنّة منحنية على عكازها، تنظر إلى المشهد باهتمام.
قال في نفسه: "ليس من اللباقة أن أترك هذه السيدة تنتظر." فنادّاها، وطلب منها أن تتقدم، فوقفَت بين يديه.
قال لها: "ما الذي لديكِ لتريه لي؟"
قالت: "يا عالي المقام، أنا لست متسابقة، لكني أم هؤلاء الشباب الثلاثة، الشاعر، والطبيب، والمهندس. جئت لأرى من منهم يفوز بالجائزة."
نهض الامبراطور عن كرسيه وقال: ايها السادة لقد انتهت المسابقة وعندنا فائز واحد..ضعوا الإكليل على رأس صانعة الرجال."
هذه القصة تحمل رسالة عميقة: إن الأبطال الحقيقيين هم الذين يصنعون المجد، لا من يولدون به.
لقد رأينا أبطالًا في نخبة القسام ، يجوبون المستوطنات، لكننا لم نرَ الأبطال الحقيقيين بعد.
ولم نرَ الآباء الذين ينهضون مع صلاة الفجر، ويعملون بجد، والأمهات الفضليات اللواتي يضحين من أجل أبنائهن، ويحتملن الألم من أجل توفير لقمة العيش، ولم نرَ جهاد الأمهات مع أبنائهن في حلقات التحفيظ، أو متابعة الآباء لصلاة الفجر والعشاء.
هؤلاء هم الأبطال الحقيقيون. فالإنسان لكي يكون بطلاً عليه ان يكون احد اثنين: إما أن يكون بطلاً، أو أن يصنع بطلاً.
فأولادكم بين أيديكم، فاصنعوا منهم أبطالاً، ليكونوا فخرًا لكم ولوطنهم وأمتهم.