ليس الوطن عدونا 

في زمن اختلطت فيه المفاهيم، وتشوّهت فيه الحقائق، بات من الضروري أن نعيد رسم خارطة الوعي، وأن نميّز بين الوطن وعدوه الحقيقي. الوطن ليس من نتخاصم معه، بل هو بيتنا الكبير، الذي يسكن فينا كما نسكن فيه، نحمله في الوجدان قبل أن نحمله في الجغرافيا. عدونا ليس الأرض ولا العلم، بل الفاسدون الذين صادروا الوطن لمصالحهم، ونهبوا ثرواته، وحوّلوه إلى ساحة للخراب والجوع واليأس.

نحن لا نثور ضد الوطن، بل لأجله. لا نغضب عليه، بل نبكي عليه. خصومتنا ليست مع الجبال ولا مع البحار ولا مع السهول، بل مع أولئك الذين تسلقوا السلطة على أكتاف الفقراء، ثم خانوا الأمانة، وباعوا البلد قطعات وأحلامًا.

لقد تحوّل الوطن إلى مسرح للمعاناة اليومية: فقرٌ ينهش الجسد، ومرضٌ يتربص، وجوعٌ لا يرحم، وبطالةٌ تدفع الشباب للهجرة أو للتيه. عشرة اعوم  مضت، ولم تتغير القناعات، ولم يُمنح الشعب سوى الخوف، والحرمان، وسقفٍ منخفض من الحريات. كل ما يُدار في البلاد اليوم هو عشوائي، مرتجل، يفتقر إلى الرؤية والعدل والمصداقية.

الإعلام لم يعد صوت الشعب، بل صار بوقًا يكرر الأكاذيب القديمة في ثوب جديد. يبيع أوهام “السعادة” و”النهضة” بينما الواقع يكشف مرارة الانهيار والتدهور. لا أحد يتحدث عن الجوعى، ولا عن المعتقلين، ولا عن الذين يخرجون كل يوم بحثًا عن كرامة مفقودة أو لقمة لا تُذلّ.

عدونا الحقيقي ليس كيانًا خارجيًا نجهله، بل هو من يملك السلاح ويكمم الأفواه، من يعتقل الحقيقة، ويشوه الوعي، ويهيمن على مقدرات الناس. عدونا هو من يرى في الوطن مزرعة شخصية، لا وطناً للجميع.

آن الأوان أن نرفع الصوت بوضوح: لا، لسنا ضد الوطن. نحن مع الوطن، ولكن ضد من خانوه. لسنا دعاة فتنة، بل دعاة إصلاح. لسنا خصومًا للأرض، بل للذين دنّسوها بالفساد. فالوطن باقٍ، لا يموت، أما الفاسدون فإلى زوال، ولو بعد حين.