الرقية الشرعية بين العلاج والعبث!

في وطن مثقل بالجراح، يعيش الشعب اليمني معاناة يومية على  كل الأصعدة، فلا صحة مستقرة، ولا اقتصاد منتعش، ولا رواتب الموظفين منظمه، ولا حتى أمان نفسي وعاطفي، وفي وسط كل هذه الأوضاع الكارثية، يتسلل إلينا من يدعون أنهم مشايخ "رقاة"، ليمارسوا نوعًا آخر من القتل المعنوي والجسدي تحت غطاء "العلاج بالقرآن"!.

آخر تلك الجرائم المؤلمة ما حدث في تعز مؤخرًا، و تقريبًا الجميع سمع أو قرأ عنها حين أقدم أحد هؤلاء "المشايخ" على وضع قدمه على رقبة مريض "ممسوس" بدعوى إخراج الجن، لينتهي الأمر بجريمة قتل تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي.
لم يكن هذا الموقف حادثًا فرديًا، بل تكرار مؤلم لمآسٍ تتكرر دون حسيب أو رقيب.

وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المعنية بتنظيم العمل الدعوي والديني، تبدو في سبات عميق، وكأن ما يجري خارج نطاق مسؤوليتها، من يحاسب هؤلاء؟ من يوقف عبثهم؟ كيف تُترك رقاب الناس في أيدي من لم يتعلموا العلم الشرعي الصحيح، ولا يدركون عواقب أفعالهم؟.

المصيبة أن البعض يستغل القرآن، كتاب الرحمة والهداية، ليبرر أعمالًا دنيئة، قبل أشهر وقعت حادثة أخرى في مأرب، حيث قام شيخ رقية بطلاق امرأة من زوجها "لأغراض العلاج"، ثم تزوجها هو ..أهذا عمل يندرج تحت الرقية الشرعية؟ أهذا عقل؟

للأمانة تحوّل الأمر إلى ظاهرة مرعبة، من يحفظ بضع من سور القرآن قام بفتح مركزًا للعلاج بالقرآن والرقية الشرعية أو "حانوت" يبيع فيه العسل "المقرئ"  والحبة السوداء، دون رقابة أو تأهيل أو فهم للحدود الشرعية، حقيقة إنها فوضى تتخفى بثوب الدين، وتعبث بأرواح الناس وثقتهم في وقت هم فيه بأمسّ الحاجة للعلم لا للوهم.

حتى لا نتهم بأننا ضد التداوي والمعالجة بالقرآن، فنحن متفقون على أن القرآن الكريم علاج لما في الصدور، ولا نرفض أو ضد الرقية الشرعية "الصحيحة"، لكن ما يجري اليوم "للبعض"  لا يمت لها بصلة بل هو عبثٌ ممنهج، يفتح الباب للجهل والاحتيال والانتهاك باسم الدين.

 الحكومة والمجتمع والعلماء الصادقون مسؤولون جميعًا للوقوف بوجه واحد ضد هذه المهزلة، قبل أن نفقد المزيد من الأرواح، والمزيد من الثقة نحو تلك المراكز التي تقوم بالتداوي بالرقى الشرعية.