حضرموت تنتفض لمطالب أبعد من خدمات الكهرباء!!

ما يجري في حضرموت لم يأتِ عبثًا، ولا نتيجة فورة غضب بسبب حرارة المكلا ورطوبة الأجواء، بل نتيجة تردّي الخدمات العامة، وليس الكهرباء فحسب، صحيح أنها واحدة من الأسباب، ولكن السبب الأهم هو تلك الأدوار الخفية والواضحة للسلطة المحلية، التي تسعى لتحميل حلف قبائل حضرموت مسؤولية تردّي خدمات الكهرباء، بدلًا من الإدارة المحلية، الممثلة للحكومة، الغائبة الحاضرة في إدارة محافظة بحجم دولة، من حيث مواردها الديموغرافية والجغرافية.

وهي موارد كبيرة يمكنها بناء محطات كهرباء لا تغطي حضرموت المحافظة فحسب، بل الإقليم بأكمله، ولكن الفساد الحكومي، المستشري من خلال السلطة المحلية، كشف عن ممارساته قبل دعوة حلف قبائل حضرموت - الحضارم إلى وقفة بحجم حضرموت وتليق بأهلها.

الكل يعرف أن الدافع لالتفاف الحضارم حول الحلف هو ذلك التردّي الإداري الذي أفقد المؤسسات قدراتها وكفاءتها الإدارية والخدمية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، الاستخفاف بالحضارم إلى حد تحميل الحلف مسؤوليات هي في صميم مسؤوليات الحكومة.

ما يحدث اليوم في حضرموت لن نسميه "ثورة شعبية"، لا لتواضع فينا، ولا لتبرئة أبناء حضرموت من هذا الانفجار الاجتماعي الذي عمّ مدن حضرموت، الساحل والوادي، وبدلًا من كلمة "ثورة"، سأكتفي بمصطلح "انتفاضة المدن".

أقول "انفجار" لأن المجتمع ظلّ يغلي دون أي اهتمام حقيقي من القيادة السياسية، الرئاسية والحكومية، بل وحتى المؤسسات التشريعية، النيابية أو الشوروية، بصرف النظر عن مدى التزامها بدورها فضلًا عن شرعيتها.

فكان الانفجار الذي شهدته كل مدن ومديريات حضرموت، في تظاهرات حملت من مظاهر الثورة أكثر مما تحمله من سمات الانتفاضة. ورغم ذلك، لم تتحرك أي جهة حكومية باتجاه مطالب الحضارم.

والأعجب من ذلك، ودون خجل، اندفع بعض من "الانتقاليين" من أبناء حضرموت إلى رفع أعلام "اليمن الديمقراطية" على أعمدة الكهرباء، في حركة سياسية ساذجة، لا يوازيها إلا ظهور سلطان البركاني ممسكًا بيد عيدروس الزبيدي، زعيم المجلس الانتقالي الجنوبي، في صورة لا تتفق مع دور مجلس النواب ولا مع مشروع الانتقالي.

وهنا يفرض علينا السؤال:
هل لا يزال لمجلس النواب دور بعد تجاهله لحراك حضرموت، بدءًا من إعلان حلف قبائل حضرموت لمطالب الحضارم بالحكم الذاتي، وصولًا إلى هذا الانفجار المجتمعي؟.. مجرد سؤال!!

إن ما يحدث في حضرموت ينذر بالكثير، والمطلوب هو انتقال قيادة حلف قبائل حضرموت إلى مواكبة حركة المدن، من خلال تشكيل قيادات محلية في المدن، تمهيدًا للانتقال إلى عمل سياسي، أظن أن على المؤتمر الجامع الحضرمي أن يضطلع بتنظيمه وقيادته دون تردد، حتى لا يتبخر هذا الانفجار ويتحول إلى مجرد مفرقعات دخانية أو فقاعات صابونية.

نحن في مرحلة مفصلية، تتطلب فرز كل تجاربنا، واستبعاد ما لم يعد ملائمًا منها بتجرّد من جهة، ومن جهة مقابلة، أن تكون لنا قراءتنا الخاصة للأحداث بدقة وموضوعية، وتحليلها بما يعطينا تصورًا لما يمكن البناء عليه من قبل مختلف الأطراف.

فنحن أمام انتفاضة لها ما بعدها، ولا بد من قيادة سياسية واجتماعية بحجم حضرموت، لفرض مشروع الحكم الذاتي لإدارة مواردها الاجتماعية والجغرافية بمسؤولية، ومن خلال مؤسسات دولة، بكفاءات أبنائها ومواردها، وبالتالي تعظيم دورها في أي تسوية يمنية كإقليم قائد، لكي لا تتحول هذه الانتفاضة إلى ما هو أبعد!!