الطغاة على مدى الزمان
بقلم: حسين سالم السليماني الحنشي
الظلم هو البوابة الكبرى التي يدخل منها الطغاة والمفسدون إلى عوالم الاستبداد، وهو الركيزة التي تقوم عليها أنظمتهم. تحيط بهم بطانة سوء تمنحهم الحصانة، وتحول دون أن يقف أمامهم أي قانون أو عرف.
لقد ضرب القرآن الكريم مثلاً بفرعون، أحد أبرز الطغاة عبر التاريخ، والذي أرسل الله إليه موسى عليه السلام رسولاً، لا معارضًا سياسيًا، ومع ذلك كذّبه ورفض دعوته. فهذا هو أول مرسوم يصدره الطاغية: التكذيب، حتى لو كان المخالف نبيًا مرسلاً. والطغاة لا يقفون عند ذلك، بل يبحثون عن أي زلة، ولو صغيرة، ليدينوا بها خصومهم، فيفتحون أبواب السجون، ويحيلون من يقود الجماهير إلى محاكم الجنايات أو القضاء العسكري.
اليوم، كما بالأمس، ما زالت دول كثيرة تغيب فيها العدالة، ويهرب أبناؤها من جحيم القمع. وكما كان فرعون يستند إلى "رجال المعبد" الذين يبررون استبداده، نجد اليوم أنظمة تصبغ القمع بالقداسة، وتحارب من يرفع راية العدالة كما حارب فرعون موسى عليه السلام. فالاستبداد القديم والحديث وجهان لعملة واحدة.
الطغاة عبر العصور يكذبون ويفترون، ويسخرون وسائل إعلامهم لشيطنة معارضيهم، ويعلنون – نفاقًا – أنهم حريصون على الشعب والوطن، بينما يرددون عمليًا ما قاله فرعون: "ما أريكم إلا ما أرى". هذه الدعاية المضللة تُبعد الشعوب عن المطالبة بحقوقها، وتغرقها في جدالات عقيمة، كما تفعل الأمم المتحدة ومجلس الأمن في إدارة الأزمات بدل حلها.
وحين تفشل الأكاذيب، يلجأ الطغاة إلى القوة المفرطة لإسكات المعارضين، فيفتحون السجون، ويموّل الشعب – المقهور – تلك السجون والحروب التي تُشن ضده. ويشرّع مجالسهم الصورية كل قرارات القمع، بينما المعارضة الحقيقية محظورة، وإن وُجدت فهي من صنع النظام ذاته.
ولا يكتفي الطغاة بمطاردة خصومهم في الداخل، بل يلاحقونهم في الخارج، ويطالبون بترحيلهم لمحاكمتهم بالموت، ليكونوا عبرة لغيرهم. أما التهمة الجاهزة فهي: "الإفساد في الأرض".
هذه العبارة تكررت في كل العصور وعلى ألسنة الطغاة؛ قالها فرعون، وقالتها أمريكا وهي تمطر الشعوب بالقنابل النووية، وقالتها القوى الاستعمارية الغربية، وتقولها روسيا وإسرائيل وهي تمتلك أسلحة الدمار الشامل.
إن الطغاة لا يسمعون كلمة الحق، ولا يحترمون إرادة الشعوب، ولا يجيدون سوى لغة القوة المفرطة ضد كل من يقول لهم: "لا". وما مأساة غزة عنا ببعيد...