الماء سر الحياة وأمانة الإنسان
قال الله تعالى في آية جامعة مانعة: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾.
هذه الحقيقة الخالدة يشهد لها الحسّ والعقل، فالماء حياة الإنسان، وعماد الحيوان، وروح النبات، وركيزة الحضارة؛ لا عمران بلا ماء، ولا حياة بلا عذب فرات.
الماء ليس مجرد عنصر طبيعي؛ بل هو آية من آيات الله الدالة على قدرته ورحمته، به يحيي الأرض بعد موتها، ويغسل الأبدان من الأوساخ، وينقي القلوب من الأدران، ويقيم به المعاش والمعاد.
أكثر الله تعالى في كتابه من ذكر الماء في سياقات متعددة؛ سياق الإحياء: ﴿وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾، وسياق التطهير: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ء وسياق الرحمة: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ﴾، وسياق العذاب: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ﴾.
وفي السنة، جاء الماء في أعظم صور الصدقة؛ قال ﷺ: «أفضل الصدقة سقي الماء»، وجعل سقي العطشان سببًا للمغفرة.
الماء ليس ملكا لأحد؛ بل هو نعمة عامة وحق مشترك، وقد قال النبي ﷺ: «المسلمون شركاء في ثلاث: الماء، والكلأ، والنار»
هذا التشريع يحرم الاحتكار ويدعو للتكافل. وإهمال الماء أو تلويثه يعد خيانة للأمانة التي أمر الله بحفظها.
حتى في الطهارة والوضوء نهى الإسلام عن الإسراف في الماء، فقال النبي ﷺ لسعد وهو يتوضأ: «ما هذا السرف يا سعد؟» قال: أفي الوضوء إسراف؟ قال: «نعم وإن كنت على نهر جار»
فكل قطرة ماء مسؤولية، وشكر النعمة يكون بحسن استعمالها وحمايتها من الضياع أو التلوث.
فالماء أساس التنمية والأمن الغذائي، وعصب الزراعة والصناعة والحياة الحضرية. وحيثما يندر الماء؛ يقل الغذاء ويشتد الغلاء. ولهذا قال الحكماء: "إذا أردت سلامة الأمة فاحفظ ماءها وزرعها".
وتلويث المياه يعني انتشار الأمراض وفساد الغذاء وانهيار الصحة العامة، وهو ما يجعل الأمن المائي والأمن الغذائي توأمين لا ينفصلان.
اليوم يشتد شح المياه بفعل تغير المناخ، وارتفاع الحرارة، وقلة الأمطار، حتى جفت أنهار واختفت بحيرات. وأضيفت إلى ذلك النزاعات بين الدول على منابع الأنهار، ما جعل الماء أحيانًا أغلى من النفط.
وثمة حلول عملية من من هدي الإسلام؛ منها:
- ترشيد الاستهلاك؛ فقد نهى الإسلام عن الإسراف حتى مع وفرة الماء.
- حصاد مياه الأمطار وتطوير تقنيات التحلية وإعادة التدوير.
- نشر الوعي المائي عبر التعليم والإعلام والمنابر.
- حماية الموارد من التلوث والاستنزاف غير المنظم.
الماء ليس مجرد مسألة بيئية أو اقتصادية؛ بل عبادة ومسؤولية شرعية؛ قال تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾.
فمن حفظ ماءه؛ حفظ حياته، ومن ضيعه؛ فقد عرض نفسه وقومه للهلاك.
ولب القول: أن الماء هدية من الله لا تقدر بثمن، وواجبنا أن نحافظ عليه؛ لا بالكلام؛ بل بالفعل. فليكن كل واحد منا حارسًا على كل قطرة، رحمةً بالأرض والإنسان والحيوان، وحفاظًا على الحياة للأجيال القادمة.
ووفق الله الجميع! ودمتم سالمين!