حضرموت صرخة في وجه الصراع
أحدثكم من قلب... محبٍّ وصادقٍ، ومشاعرَ جيَّاشةٍ مشبعةٍ بالأمل والترقُّب، لما هو أكثر جمالًا وبهجةً، ويحمل فرحةً للجميع... إنني أنا كمواطنٍ حضرميٍّ "غيورٌ على حبات تراب أرضي، من مكاني الذي أنا أقف عليه، من عظمة قدرها"، وأروي لكم عن تلك التفاصيل الحضرمية العميقة التي تحيط بي، وما تحمله من تاريخٍ عميقٍ بآثارها ومتاحفها ومبانيها، وكل ما تملكه من موروثٍ وتاريخٍ خلَّدته الأمجاد. وناهيك عن الشوارع الهادئة التي نحن ننعم برؤية جمال طبيعتها العفوية، وعن تلك الأصالة والجذور التي تمتلكها جبالها الشامخة الراسية على رؤوس السحاب في السماء! وبحرها الهائج الغاضب الذي يلاطم سواحلها الذهبية، وأيضًا السهولَ والأوديةَ الجارية، والمستويةَ بطاعةٍ هوائها وخشونة أرضها.
ها نحن نجد ذلك الوصف وتلك البراءةَ التي تمتلكها حضرموت مهدده بالإحتضار بسبب الانقسامات والاختلافات التي طالت قياداتها وأبناءها، وشَتَّتْ لحمتهم، ونقول: "إن حضرموت تستحق أفضل من ذلك بكثير". لا نرضى بالتشرذم والضياع الذي يسبب الوقوع في فخاخ أعدائنا وخصومنا، الذين هم الآن مستمتعون بما يحصل من تشنُّجٍ واحتقانٍ سياسيٍّ واجتماعيٍّ بين الأطراف المتنازعة في استحقاقات حضرموت. وشاهدنا في الأيام الماضية تفريخَ تياراتٍ وأحزابٍ متخفيةٍ بعباءة الفتنة وإثارة الفوضى.
وها هي حضرموت، التي تعتبر أرضًا للتعايش والسلم الاجتماعي، وروحًا للمدنية والحياة العادلة المنصفة بالرغم أنها لم ترَ ذلك على أرض الواقع من قِبَل الذين تعاملت معهم في الماضي وبخَسُوها حقها، لكنها ظلت وفيَّةً لهذا الأسلوب السلمي، وتحملت الكثير مقابل ذلك! وها نحن نرى ذلك كله يتلاشى بسبب معاملتهم السيئة لها، وبدأت تُكشر عن أنيابها. لكننا لا نريد التفكك والتيه، ولنكن جميعًا صفًّا واحدًا لأجل مكانة حضرموت واسمها.
ولا نريد أن نقول إن حضرموت ذات الثوب الباهي المطرَّز، الذي يسرُّ الناظرين، قد تلطخ بالسواد والحزن! على ما يحصل بين أبناءها وقياداتها الذين يدَّعون حبها. ولا نريدهم أن يكونوا نموذجًا يُضرَب به في الخزي والعار والحسرات، التي ستلاحق الأجيالَ عمَّا ارتكبه أجدادهم الأولون، فيعضُّوا أصابعَ الندم... للأسف، ما رأيناه من البعض بإشعال نار الفتنة وشحن النفوس من خلال بعض الأندية الرياضية، وهذا أمرٌ غير مقبولٍ من أبناء حضرموت الذين عُرفوا بالرزانة والانضباط، وعدم الانجرار نحو طرقٍ لا رجعة منها
أيُعقل أن تتحول أرض التعايشِ إلى سجنٍ للكراهية؟! أيُعقل أن يُباع مستقبل الأجيالِ في سوق المكاسبِ الضيقةِ؟! لقد حملتم أمانةً ثقيلة، فإما أن تُخلّصوا لها، أو تتنحوا قبل أن تُحاسبكمَ السنوات ولن تسامحكم الأشهر .
حضرموت ليستْ ملكًا لأحد، إنها إرث الجميع. فلنكن كالجسد الواحد، نصلح ما أفسدتهُ الأيدي، ونبني ما هدمته الأطماع. كفانا تشرذمًا.. كفانا انجرافًا وراء خطابات الكراهية. المستقبل ينتظرنا، فلنصنعْه بأيدي نظيفة، وقلوبٍ متحابة.
إن ما يحصل في حضرموت الآن قد طُبخ سابقًا وسخن في وقتنا الحاضر، لكي تصبح مكانًا للصراعات وتصفية الحسابات... فلنكن أكثر وعيًا وحرصًا على مستقبل حضرموت الواعد المرضي للجميع، بتكاتف سواعد أبنائها الأوفياء.