حضرموت.. في مسارات الحل العائم!

على مدى ما يقرب من ثماني سنوات أو يزيد بقليل، ما تزال الأزمة اليمنية تدور في حلقة مفرغة؛ تجاهل أمريكي لمآلات غير محسومة عسكرياً، ومشاريع سياسية غير واضحة لترجيح أي طرف من أطرافها. ولو عدنا بالذاكرة قليلاً لوجدنا أن آخر اهتمام أمريكي كان في عهد إدارة أوباما، حين صرّح وزير الخارجية كيري في العاصمة العُمانية مسقط بضرورة الحل القائم على الدولة الاتحادية من أربعة أقاليم. كان ذلك قبيل وصول إدارة ترامب الأولى إلى البيت الأبيض.

اليمنيون تجاهلوا ذلك المشروع، كما اعتبره الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي مجرد تصريح وداعي لإدارة أمريكية تسببت بما سُمّي "الربيع العربي" في كثير من مآسي العرب، ومنها مأساة اليمنيين. ربما كان ذلك قراءة آنية في ظل احتدام المعارك العسكرية في جبال اليمن، خصوصاً وأن إدارة أوباما أبدت كثيراً من الغزل تجاه إيران. ثم جاء ترامب ليضع التمرد الحوثي على قائمة الإرهاب. لكن السؤال: هل كان ترامب جاداً في ذلك، أم أراد أن يستخدم ورقة الحوثيين بطريقة مختلفة مع إيران وفي المنطقة؟

عاد ترامب إلى المكتب البيضاوي بعد أربع سنوات من أضعف إدارة أمريكية، ليجد أمامه ملفات شائكة: من تبني المثلية الجنسية في عهد بايدن، إلى الحرب الأوروبية - الروسية في أوكرانيا. صحيح أنه أعاد الحوثيين إلى قائمة الإرهاب، لكنه ـ وبعد أن أنهى نتنياهو أذرع إيران في لبنان وسوريا، وتم تجذير نظام الأسد عبر ثوار كانوا على قوائم الإرهاب ـ فاوض الحوثيين واتفق معهم على عدم التعرض للقطع البحرية الأمريكية، سواء العسكرية أو التجارية، في البحر الأحمر.

فهل كانت تلك ورقة غزل لإيران التي قابلتها بمحادثات في مسقط، أعقبتها ضربات أمريكية لمشاريع إيران النووية أو جاءت متزامنة معها لترويض نظام الملالي في طهران؟ الهدف لم يكن فقط حماية أمن إسرائيل، بل إعادة تأكيد الدور الأمريكي في المنطقة العربية وترتيبات الشرق الأوسط، في مقابل أوروبا التي عادت إليها بريطانيا بقيادة حزب العمال، خلافاً لما يُرسم في البيت الأبيض والبنتاغون في واشنطن، وبعيداً عن نصائح الخارجية والاستخبارات البريطانية.

في ظل كل ما يحدث في العلن وما هو أهم في السر، نتساءل: أين موقع القضية اليمنية من كل ذلك؟ وإلى ماذا يتطلع الحضارم؟

هذه التساؤلات لا أوجهها إلى القوى اليمنية المشاركة في الشرعية، ولا حتى إلى التكتلات الوطنية للأحزاب العتيقة أو المستحدثة، التي تطمح إلى إعادة الحياة للعمل السياسي الحزبي، بل إن بعضها يتطلع إلى تشكيل قيادة سياسية بديلة للشرعية الحالية، ممثلة في مجلس القيادة الرئاسي، الذي يتكون أغلبه من ممثلي قوى عسكرية أكثر منها سياسية، باستثناء الرئيس د. رشاد العليمي.

هذا التخبط ليس وليد تشكيل مجلس القيادة بل هو سابق له، ومتزامن مع تصريحات كيري في مسقط التي تم تجاهلها، والتي لا يمكن إحياؤها اليوم إلا بعقل سياسي واعٍ، لا بعقلية جهوية أو مناطقية ضيقة، أو تابعة لطموحات بعض الأشقاء في لعبة صراع الأدوار الإقليمية. وإن قلت البريطاني – الأمريكي، فلست أجافي الحقيقة في توصيف التنافس الخفي في العلاقات الدولية. وهذا من أهم الأسباب التي جعلت الحلول في اليمن عائمة.

فهل يدرك الحضارم أن الفرصة مواتية لاستعادة حضرموت دورها المحوري، باعتبارها بيضة القبان في المعادلة اليمنية وفي الاستراتيجيات الإقليمية، فضلاً عن المصالح الدولية؟

نعم، إن مسارات الحلول عائمة، ويتجلى ذلك في الضحالة السياسية اليمنية، الأمر الذي جعل القضية أوراقاً متناثرة بيد كل من يريد اختبار قدراته على فرض حضوره، بل واستخدامها عبر أدواته، ومنهم من أصبح جزءاً من قيادة الشرعية السياسية. هؤلاء يضعون "فيتو" على تطلعات حضرموت في الحكم الذاتي، الذي يمكن أن يسهم في إعادة مشروع كيري إلى الحياة... ولكن!

حتى لا يستهلك الحضارم جهودهم في المطالب عبر هضبة حضرموت فقط، أو في بناء قوة حماية حضرموت ـ وهو عمل مهم وضروري ـ فإن الأمر يبقى بحاجة إلى عمل سياسي ناضج وفاعل على الصعيدين الإقليمي والدولي. إنها فرصة الحضارم لإثبات أنهم أهل لدور فاعل في تسويات تُخرج الأزمة من مساراتها العائمة إلى البحث عن حلول عبر مشاريع يظن البعض أنها طُويت في أدراج الخارجية والبنتاغون الأمريكيين.

وهذا دور يستطيع "المؤتمر الجامع الحضرمي" أن يضطلع به كتنظيم سياسي، على أن يدعمه "حلف قبائل حضرموت" كقوة اجتماعية حضرمية. فالفرص سانحة في ظل تقاطع المصالح وميوعة المسارات، وإلا ستظل الجهود تدور في فراغ.