المعلم بين صمت الدولة ومشروعية إستئناف الإضراب

لا يمكن لأي منصف أن يتجاهل معاناة المعلمين الذين يدخلون شهرهم الرابع بلا مرتبات، في وقت تتكدس فيه المليارات بجيوب المنتفعين والقيادات الوهمية. المعلم، الذي يحمل رسالة سامية ويبني العقول والأجيال، يجد نفسه اليوم عاجزًا عن توفير قوت يومه وأساسيات معيشته، بينما الدولة تصرف الموازنات في غير محلها.

التصريح الأخير الذي دعا فيه أحد أبرز الداعين سابقًا لاستئناف التعليم إلى العودة مجددًا للإضراب، لم يأتِ من فراغ. بل هو انعكاس طبيعي لحالة الظلم الواقع على الكادر التربوي. فكيف يُطلب من المعلم أن يؤدي واجبه وهو محروم من أبسط حقوقه، الراتب الذي لا يكاد يكفي لسد رمقه؟

والدعوة لاستئناف الإضراب ، ليست مجرد خطوة احتجاجية، بل صرخة مدوية في وجه الفساد وسوء توزيع الموارد، ورسالة واضحة بأن صبر المعلم له حدود. فالتعليم لن يستقيم على حساب كرامة المعلم وحقوقه.

إن إنصاف المعلمين ليس ترفًا، بل ضرورة وطنية وأخلاقية. فاستقرار العملية التعليمية مرهون باستقرار المعلم نفسيًا واقتصاديًا. تجاهل هذه الحقيقة لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانهيار، وهو انهيار لن يدفع ثمنه المعلم وحده، بل سيدفعه المجتمع بأسره، حين يضيع جيل كامل في دوامة الحرمان والإحباط.

لقد آن الأوان لأن تتحمل الدولة مسؤولياتها، وأن توجه الموارد إلى مستحقيها الحقيقيين. فالإنفاق على الأسماء الوهمية والقيادات الطفيلية خيانة لحق المعلم، وخيانة لمستقبل الوطن.

ختاما.. المعلم اليوم لا يطلب المستحيل، بل يطالب براتبه الضئيل أصلًا، ليعيش بكرامة ويؤدي رسالته النبيلة. وإضرابه، إن استؤنف، لن يكون إلا تعبيرًا عن الحق المشروع في مواجهة الغبن، حتى يُعاد الاعتبار للمعلم، ويعود للتعليم بريقه.