المخلب الحوثي والخطاب الغائب.. من الحلقة الأضعف إلى الرسالة الأوضح
لم يكن المقال الأخير للدكتور غريغوري جونسون، المنشور على موقع معهد دول الخليج العربية في واشنطن (AGSI) بعنوان: «أضعف حلقات اليمن: المجلس القيادي الرئاسي»، مجرد تشخيص عابر لمعضلة الشرعية اليمنية، بل جاء بخاتمة ثاقبة اختصرت ما ظللنا نردده مرارًا خلال العامين الماضيين: «الولايات المتحدة تستطيع أن تُضعف الحوثيين، لكنها من دون قوات فاعلة على الأرض ــ سواء قواتها أو قوات غيرها ــ لن تتمكن من اجتثاث قدراتهم».
هذه العبارة الموجزة تلخص جوهر الإشكالية: الخطاب الغائب في المقاربات الدولية لا يزال هو الحاجة الحاسمة للأقدام اليمنية على الأرض. فما لم تُترجم الضربات الجوية والبحرية إلى تقدم بري فعلي للقوات الشرعية، سيبقى الحوثيون قادرين على استعادة المبادرة وإعادة تهديد الداخل والخارج.
دروس من الحديدة وستوكهولم
في ديسمبر 2018، كانت القوات الحكومية قاب قوسين أو أدنى من استعادة ميناء الحديدة، لكن اتفاق ستوكهولم جمد التقدم عند أبواب النصر. ومنذ ذلك الحين ظل الميناء شريانًا اقتصاديًا وماليًا بيد الحوثيين، يوفر لهم الموارد الجمركية ويعزز نفوذهم السياسي والعسكري. لم يكن ذلك مجرد انتكاسة ميدانية، بل محطة مفصلية كرست إدراكًا خاطئًا لدى بعض القوى الدولية بأن وقف النار يمكن أن يكون بديلًا عن الحسم.
وعندما شنّت الولايات المتحدة حملتها الجوية والبحرية في مارس–مايو 2025، بدت النتائج أولية مبشرة: تراجع نسبي في قدرات الحوثيين على استهداف السفن وخطوط الملاحة. لكن غياب التوازي مع تقدم بري للقوات اليمنية الشرعية جعل الإنجاز يتبخر سريعًا. وبحلول يوليو، كان الحوثيون قد عادوا لقصف وإغراق السفن وتهديد الملاحة في البحر الأحمر.
المجلس القيادي الرئاسي: من الحلقة الأضعف إلى الحلقة الحاسمة
يذهب جونسون في مقاله إلى أن مجلس القيادة الرئاسي يمثل الحلقة الأضعف في معادلة الشرعية بسبب تناقضاته الداخلية وتعدد ولاءاته. وهو تشخيص صائب، لكنه لا ينبغي أن يكون حكمًا نهائيًا. فالمجلس لم يُنشأ إلا لتحقيق غاية محددة: الوصول إلى تسوية ــ بالحرب أو بالسياسة ــ تضمن استعادة الدولة اليمنية. ومن ثم فإن الطريق لتجاوز وضعيته الراهنة كحلقة أضعف، هو بالعودة إلى مبرر قيامه الأصلي: تعزيز تماسكه الداخلي، وتوحيد صفوفه، وإثبات أنه قادر على قيادة المعركة وتوفير «الأقدام اليمنية على الأرض» التي غابت عن كل الخطابات الدولية.
إن ضعف المجلس لا يعود إلى بنيته فقط، بل أيضًا إلى إخفاقه في لعب الدور المنتظر منه: توجيه القوى العسكرية المناهضة للحوثيين نحو هدف واحد. ومن دون إصلاح هذا الخلل، لن يكون بمقدوره مواكبة الإيقاع الإقليمي والدولي، ولن يتمكن من أن يكون شريكًا حقيقيًا في كسر المخلب الحوثي.
معادلة الداخل والخارج
لا جدال أن العامل الدولي، وفي مقدمته الولايات المتحدة، يملك قدرة كبيرة على رسم إيقاع الصراع. لكن ترك القرار رهينًا لواشنطن أو لعواصم الغرب لن يحقق النصر. العالم مشغول بتوازنات كبرى، بين لوبيات متضاربة ومصالح اقتصادية وجيوسياسية مرتبطة بالصين وروسيا وإيران. ومن ثم، فإن مسؤولية امتلاك زمام المبادرة تقع أولًا على الداخل اليمني، بدعم التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات، اللذين وفّرا مظلة حمت الشرعية من الانهيار الكامل.
خطوات على طريق الاستعادة
لتجاوز الحلقة الأضعف، على مجلس القيادة الرئاسي أن يقود عملية جدية تقوم على:
1- توحيد القيادة العسكرية والسياسية تحت مظلة واحدة تعبر عن الشرعية.
2- دمج وتطوير التشكيلات المسلحة في جيش وطني جامع بعيدًا عن الولاءات الفئوية والمناطقية.
3- صياغة مشروع وطني واضح يلهم المقاتلين، ويقنع الداخل، ويكسب ثقة المجتمع الدولي.
4- التناغم مع الدور الإقليمي والدولي لضمان أن «الأقدام اليمنية على الأرض» تتحرك في إطار رؤية استراتيجية شاملة تكسر المخلب الحوثي وتدحر طموحات طهران في باب المندب والبحر الأحمر.
خاتمة: رسالة إلى نيويورك إن استنتاج جونسون الثاقب لا ينبغي أن يظل مجرد تحليل أكاديمي، بل يجب أن يتحول إلى فحوى الرسالة التي يحملها الوفد الرئاسي اليمني إلى الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة. على العالم أن يسمع من اليمنيين أنفسهم أن معركتهم ليست حرب وكالة، بل حرب وجود، وأن الحسم لا يتحقق بالبيانات ولا بالضربات الجوية وحدها، بل بتعزيز تماسك القيادة، وتوحيد الجيش الوطني، وتمكينه من القيام بدوره على الأرض.
تلك هي الرسالة التي ينبغي أن تخرج من صنعاء وعدن ومأرب إلى نيويورك: إن اليمنيين، بدعم أشقائهم العرب وأصدقائهم الدوليين، قادرون على كسر المخلب الحوثي، وإفشال مشروع طهران للهيمنة على واحد من أهم الممرات المائية في العالم، وفتح أفق الدولة اليمنية الحرة المستقرة.