إغتيال افتهان المشهري جريمة كبرى
بقلم: عادل عياش
في مدينة تعز جريمة اغتيال الأستاذة افتهان المشهري، اغتيال افتهان عارٌ لن يتوارى بالسنين. في مدينة تعز، حيث تختلط رائحة البن برائحة البارود، وحيث ينهض الناس كل صباح على أمل أن يكون اليوم أقل وجعًا من الأمس، جاءت جريمة اغتيال الأستاذة افتهان المشهري كصفعة على وجه المدينة، كطعنة في قلبها النابض بالحياة.
لم تكن الجريمة جريمة عادية، بل جريمة حادثة اغتيال عابرة. لم تكن رصاصة طائشة أو خلافًا شخصيًا، كانت اغتيالًا ممنهجًا لصوت نسائي نقي، لصورة مدنية كانت تحاول أن تُجمّل وجه تعز. الأستاذة افتهان المشهري، مديرة صندوق النظافة والتحسين بمدينة تعز، لم تكن موظفة عادية، كانت مشروعًا إصلاحيًا يمشي على قدمين. كانت امرأة تؤمن أن النظافة تبدأ من الفكر، وأن التحسين لا يكون إلا بالعدالة والشفافية.
عارٌ لن يتوارى، اغتيال افتهان هو عارٌ لن يُمحى، لا بالبيانات الرسمية ولا بالتعازي البروتوكولية. هو عارٌ سيبقى يتردد في أزقة تعز، في وجوه النساء اللواتي يحلمن بالتغيير، وفي أعين الأطفال الذين رأوا دمًا بدلًا من الأمل. هذه الجريمة ليست فقط اغتيالًا لامرأة، بل اغتيالٌ لفكرة، لنهج، لثقافة مدنية كانت تحاول أن تتنفس. ما بعد الجريمة أخطر منها.
الأخطر من الجريمة هو ما ستتركه من آثار. صورة تعز التي لطالما كانت منارة للثقافة والمقاومة باتت اليوم مهددة بأن تُختزل في مشهد دموي. مستقبل المدينة بات على المحك، فحين تُغتال امرأة بهذه الرمزية في وضح النهار أمام مقر عملها، فإن الرسالة واضحة: لا أحد في مأمن، ولا صوت يعلو فوق صوت الرصاص. افتهان بالأفعال رفعت كفاءة صندوق النظافة، ضمنت حقوق العمال، وطبّقت الحوكمة في مؤسسة كانت تُدار سابقًا بالولاءات لا بالكفاءة. اغتيالها هو اغتيالٌ لكل من آمن أن تعز يمكن أن تنهض من جديد، أن المرأة يمكن أن تكون في موقع القرار، أن الإصلاح ممكن حتى في زمن الانهيار.
المدينة اليوم مطالبة بأن تنتفض، لا فقط بالحزن بل بالفعل. لا يكفي أن ننعى افتهان، بل يجب أن نحمي من تبقّى من أمثالها. يجب أن نطالب بتحقيق شفاف، بمحاسبة الجناة، وبحماية كل من يحمل مشروعًا مدنيًا في هذه المدينة التي تُذبح كل يوم بصمت.
افتهان لم تكن ضحية فقط، كانت شهيدة مشروع، شهيدة مدينة، شهيدة حلم. والعار الذي خلفه اغتيالها لن يُمحى إلا حين تُستعاد تعز من قبضة الفوضى، حين يُعاد الاعتبار للمدنية، وحين يُقال للقاتل: لن تمر.