عالم الطموح والمبيعات
كتب: حسين أحمد الكلدي
لقد عملت في عالم المبيعات والمشتريات لفترة طويلة جدًّا، وتعاملت مع الكثير من الأشخاص الذين شقوا طريقهم لبناء مؤسسات ناجحة، ورأيتهم يسعون للأهداف التي رسموها.في عام 2000 في بداية تأسيس شركتي في الصين، وخصوصًا في مجال التصنيع بشكل مباشر، كنت أذهب إلى السوق المحلي لأبحث عن الخامات التي تنفرد بأفكار نادرة وقليلة. حينها وجدت في معرض إحدى المصانع مجموعة أفكار حديثة، فأخذتها وأدخلت عليها التعديلات التي تتناسب وذوق سوقنا . ووجدت فتاة ذكية في احدى المعارض تقدم للعميل الخدمة بروح التفاني وبكل طاقتها، وتدرك ما يطلبه العميل بدقة مذهلة، وتعد المرة الأولى التي أعمل بها معهم. وعندما سجلت الطلبية الاولى تم تنفيذها بجودة عالية لتسليم الطلبية واستمر العمل معهم وتعرفت على مديرة المصنع وزوجها، فكانوا أكثر وُدًّا، فحوّلت المصنع للعمل معي بنسبة 95% خلال خمس سنوات. وذات مرة طرحت عرض لتلك الموظفة أنا ومديرة المشتريات عندي ، بأن تفتح مشروعها الخاص، وشركتنا هي من تقوم بدعمها. فتم الاتفاق، وكانت أول خطوة افتتاح مكتب متواضع وسط السوق، وكنت العميل الوحيد الذي تعتمد عليه للاستمرار. وفعلا نجحت وتطورت وكبرت بسرعة فاقت تصورنا. وعند اجتماعنا معها في أحد الأيام طرحتُ عليها فكرة اخرى بأن ندمج العمل معًا، ويكون نصيبها 30% من الأرباح مقابل الإدارة في الشركة الجديدة. وكانت الأهداف واضحة لنا جميعًا، وتم تحرير العقود من قبل المحامين، على ان تتم الأعمال في المصنع لشركتينا فقط دون البحث عن عملاء جدد ولتغطية طلباتنا فقط . وعند بداية العمل كانت الأمور تسير كما خُطِّط لها. فالنجاح يعتمد على ما تفعله بشكل يومي، فهو يُظهر مصداقيتك ويمنحك القدرة على التفاني والانضباط بالمبادئ المتفق عليها مسبقًا. فإن أهدافنا اليومية واضحة، فهي ما نقوم به بشكل يومي ونتوصل إلى التفاصيل الدقيقة دون التلميع وإظهار البريق الخارجي العاطفي. ولذلك دعني آخذك معي لتستكشف بالضبط ما يجب علينا فعله لتحقيق أهدافنا. ولتحقيق ذلك الهدف . هناك شيء مهم يجب التركيز عليه: فعندما يتسرب الأصدقاء وأفراد العائلة إلى العمل في أي شراكة ستتغير الموازين والأهداف والنوايا لكل طرف، وتختلط الأوراق. وعلى هذا الأساس سوف أسرد ستة نقاط هامة جدًّا عن النظام في حالة الشراكة سواء كنت في بلدك أو في غير بلدك: ست نصائح أساسية.
أولًا: تجنّب الدخول في شراكات مباشرة مع أبناء البلد المضيف . لا تدخل في أي شراكة استثمارية مع أحد أبناء البلد الذي تقيم فيه وأنت غريب عنه، مهما كانت النسبة صغيرة، خصوصًا إذا لم تكن ملمًّا بشكل واضح ودقيق بأنظمة الدولة وقوانينها. غياب المعرفة القانونية قد يجعل الطرف الآخر أكثر سيطرة على المشروع، ويعرّض استثمارك لمخاطر غير متوقعة ثانيًا: توثيق رأس المال عبر العقود الرسمية والبنوك
يجب أن يتم تسجيل رأس المال بشكل رسمي في العقود الموثقة ضمن أنظمة وقوانين الدولة، مع إيداع كل طرف حصته مباشرة في البنك. هذه الخطوة تحمي حقوقك وتمنع أي التباس مستقبلي في مسألة الملكية أو توزيع الأرباح.
ثالثًا: تحديد دور ابن البلد بوضوح ضمن إطار قانوني إذا كان لا بد من إشراك ابن البلد، فيجب أن يكون دوره محددًا كمضارب بنسبة واضحة ومكتوبة في العقد. ويجب أن يُسجَّل عمله رسميًا ضمن عقد قانوني مصدَّق حسب أنظمة الدولة. لا تعتمد على العلاقات الشخصية أو حسن النوايا، فالمصالح قد تتغير مع الزمن، والعواطف لا تحميك قانونيًّا.
رابعًا: ضبط التوظيف والإدارة المالية
لا تسمح للطرف الآخر بجلب موظفين أو محاسبين أو إداريين من جانبه، خصوصًا من عائلته أو أصدقائه، بأي شكل من الأشكال. يجب أن يُذكر ذلك بشكل واضح في العقود. كذلك، تُسجَّل بدقة مرتباته وعمولاته وكل التفاصيل المتعلقة بدوره عبر الجهات الرسمية (وزارة الاستثمار ووزارة التجارة). الدقة في هذه المرحلة تعني حماية لحقوقك مستقبلًا.
خامسًا: إدارة المشروع بنفسك قدر الإمكان
إذا كان رأس المال صغيرًا والشركة ناشئة، فمن الأفضل أن تدير العمل بنفسك بدلًا من الاعتماد على إدارات خارجية أو على الطرف الآخر. الإدارة الذاتية تمنحك رؤية دقيقة وتفاصيل مباشرة عن المشروع، وتقلل من فرص التلاعب أو إخفاء الحقائق.
سادسًا: لا تتهاون مع التفاصيل المالية والقانونية
لا تعتبر المصروفات الصغيرة عند التأسيس إهدارًا لرأس المال، فهي بمثابة تأمين طويل الأمد يحميك من الخسارة. لا توقّع أي ورقة مالية أو مصرفية أو مستندية دون تدقيق كامل، حتى لو كانت مبنية على الثقة. الثقة العمياء في هذه المرحلة قد تؤدي إلى فقدان رأس المال بأكمله. إن ترك القيادة للطرف الآخر والاعتماد على العواطف يجعل الفشل مسألة وقت، حتى لو بدا النجاح في البداية. ومع ذلك، حتى إذا تعثرت وخسرت، فثق أن الطرف الآخر قد يفشل لاحقًا لأنه يعتمد غالبًا على أفراد عائلته وأصدقائه في الإدارة، مما يؤدي إلى إنهاكه ماليًّا وفكريًّا. وعند عودتك للبدء من جديد، اجعل اعتمادك على أفكارك وخبراتك ورؤيتك الواقعية، ولا تفرط في أحلامك، بل اجعلها منسجمة مع إمكاناتك وخططك. توكّل على الله دائمًا، فكما قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾، وواصل العمل بالصبر والمثابرة وتعلّم أدق التفاصيل في مجالك، فهذا ما يضمن لك الوصول إلى أهدافك الكبرى.
30/9/2025