رأس مال الوطن !!

جميع المؤسسات والشركات التجارية والاستثمارية عند المواسم والارباح وعند الازمات والخسائر تنظر بعين الاعتبار وتعمل على التركيز الدقيق على رؤوس أموالهم اي أنهم يضعون رأس المال تحت المجهر وتحت عمليات التحليل حريصون كل الحرص حتى يكتشفون الأرباح والخسائر قبل وقوعها ، فرأس المال له أهمية كبرى في ثبات تلك المؤسسات وعدم سقوطها وانقراضها .

 فمن هو رأس مال الوطن ؟
وما هي نقطة ثباته وعدم سقوطه ؟
ومن هو الرافد الحقيقي لجميع مجالات وقطاعات الوطن في خدمته والرقي به إلى أعلى المستويات ؟
فمن لنهضة وثقافة الوطن على مدى الأجيال ؟

لاشك ولا ريب أن رأس مال الوطن هم المعلمون الذين يسقون البلاد من شرايينهم وأوردتهم الدموية ليلاً ونهاراً ، تنهار قواهم وتتدهور صحتهم وهم ثابتون مثل الجبال الراسيات  . فاسمع بأذنيك وأحكم بعقلك وبصيرتك عن هذا المعلم كيف لا يكون رأس مال الوطن وقد تخرج على يديه المعلم والضابط والمهندس والطيار والطبيب والسفير والوزير والرئيس . حريص كل الحرص على أن لا يخرج تلاميذه من الفصل وأن يكتبوا ، أن يفهموا ، أن يناقشوا ، أن يُحلّلوا ، أن يُحضّروا دروسهم ويحلول واجباتهم . وحين يشرح الدرس لطلابه وكأنّه يرى داخل الفصل أربعين أو خمسين موظفاً ، لا أربعين أوخمسين تلميذاً ، يوزع نظراته عليهم ببشاشة وابتسامة عريضة ، حريص على مراقبة دفاترهم ، حقائبهم ، معرفة الفروق الفردية بينهم ، يفضّ الخلافات والنزاعات فيما بينهم اي انهم يتحاكمون إليه بمثابة القاضي العادل الذي لا يظلم عنده أحد فينصر المظلوم الضعيف على الظالم القوي .

كيف لا يكون رأس المال ويقع على عاتقه إرجاع الحقوق إلى أهلها  وإنهاء الشغب لإتمام الدرس ، وفرض النظام والهدوء ، والعدل في توزيع أماكن الجلوس وترتيبهم على المقاعد فتجعل ذوي الاحتياجات الخاصة من سمعٕ وبصرٕ في المقدمة وملاحظة الهندام ، وطول الأظافر، ويربط لهم الأحذية ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم حتى تبلغ ذروة العلاقة فيبوحوا له بمشاكلهم وهمومهم الخاصة أحيانًا .

نعم أنك رأس المال وانت تصنّف في دفترك ايها المعلم الصبور كل التلاميذ تعرف اليتيم وتعرف الكريم و اللئيم و المجتهد ، والكسول والعامل والخامل فيعطي كل ذي حقاً حقه .
فمن مسؤولياتك ايضاً ايها المعلم تهوية الصف ، الحفاظ على نظافته ، الحفاظ على جماله ، تزيينه بالوسائل التعليمية وإرشادهم إلى القيم  والآداب الحميدة تارة في أثناء الحصص وتارة أخرى في الطابور الصباحي .
كل هذا يحصل داخل الفصل وخارجه وأنت ايها المعلم في غاية ضبط النفس وبكل هدوء ملتزماً ومحضراً ومهتماً ومهندماً في واجبك وعملك .

ايه أنك الممرض لطلابك والمسعف  عندالطوارىء فينظر ن إليك بانك الطليب المعالج أو الممرض الناجح ، تعرف نفسياتهم وتجلس مع المتوحد و المنزوي عن زملائه وتعالجه .

فبعد كل هذا وعند هبوط معنوياتك ايها المعلم تلجى إلى تناول قرص البندول الإنجليزي أو الهندي لكي تخفف من صداعك وأوجاعك وعند الأحساس بشيء من الخمول والأرهاق والضعف تلجى إلى بعض رشفات الشاي واحياناً إلى تناول قطعة من الشكولاتة أو الحلوى كي تستطيع إكمال حصصك القادمة حتى ترفع بها نسبة السكر في الدم ، تحترق أعصابك وكبدك حين توزّع العلامات فتنهزم أمام أصحاب الدرجات الضعيفة والمستويات المتوسطة تجعل نفسك محلّ الاتهام ، فلعلك السبب في تدنيهم وتحصيلهم الأدبي والعلمي وتحس بالنجاح  والشموخ مع المستويات المتفوقة.

فالمجتمع حق له أن يحافظ على رؤوس الأموال حتى يحقق الأرباح ولا يقع في ندم الخسائر فحق للمجتمع ايضاً أن يرفعوا القبعات للمعلّمين كيف لا وهم من يشاطرونكم تربية أبنائكم ، اعترفوا لهم بالفضل واعلموا أنّ لهم عليكم حقًّا ، اجعلوا لهم في نفوسكم مكانة وحصانة قوية لا تضعف ابداً .
 فما أحلى تلك الكلمات والعبارات 
في موضوعي هذا البسيط أن تخرج من ألسنة وأفواه غير المعلمين حتى تكون شاهد لهم ودافع معنوي على تكملة المشوار التربوي والتعليمي .