امريكا والصين.. حرب فول الصويا
لم تعد الحروب الحديثة تُخاض فقط بالسلاح و نفوذ القوة فحسب، بل بالموانئ والاسواق، وبحاويات السلع وارقام التجارة.
من بين ابرز معارك الاقتصاد العالمي اليوم، تبرز “حرب فول الصويا” بين الولايات المتحدة والصين، كأحد تجليات الصراع الاعمق بين القوتين الاعظم، على النفوذ والموارد والسيطرة على خريطة الغذاء العالمية.
فول الصويا ليس مجرد محصول زراعي، بل سلعة استراتيجية تدخل في صناعة الغذاء والزيوت والاعلاف والوقود الحيوي، وتمثل عصبا حيويا في سلاسل الامداد الغذائي الدولية. وقد تحوّل هذا المحصول الى سلاح اقتصادي في معركة النفوذ بين واشنطن وبكين، منذ أن استخدمته الصين كورقة ضغط في الحرب التجارية التي اشتعلت في ظل الادارة الراهنة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
كانت الصين، قبل اندلاع الحرب التجارية، تستورد نحو 60% من انتاج فول الصويا الامريكي، لكن بعد فرض واشنطن رسوما جمركية على السلع الصينية، ردت بكين بفرض قيود على استيراد فول الصويا الامريكي، فاتجهت الى البرازيل والارجنتين لتعويض النقص. بذلك تحوّلت سلة الغذاء الى جبهة مواجهة، واصبح الفلاح الامريكي اول ضحايا النزاع بين العملاقين.
في المقابل، ادركت الولايات المتحدة أن امنها الاقتصادي مرتبط بامنها الزراعي، وأن الغذاء قد يكون سلاحا اكثر تأثيرا من الطائرات والصواريخ. لذلك سعت الى تنويع اسواقها واعادة هندسة علاقاتها التجارية مع دول آسيا وامريكا اللاتينية وافريقيا، لتقليص اعتمادها على السوق الصينية التي تمثل اكبر مستورد للمنتجات الزراعية في العالم.
اما الصين، فتعلم أن من يملك غذاءه يملك قراره، وأن الاعتماد على الخارج في سلع استراتيجية كهذه يجعلها عرضة للابتزاز الاقتصادي. ولهذا ضاعفت استثماراتها في الاراضي الزراعية حول العالم، من امريكا اللاتينية الى افريقيا، لتأمين مواردها الغذائية بعيدا عن الضغط الأمريكي.
حرب فول الصويا إذن ليست صراعا على البذور والاسعار فحسب، بل معركة على النفوذ والسيادة الاقتصادية، وعلى من يتحكم في "معدة العالم" في العقود القادمة. فالغذاء صار اداة في لعبة الامم، ومن يزرع الحبوب اليوم قد يحكم العالم غدا. وعليه، يبدو أن حروب المستقبل لن تُحسم في ميادين القتال، بل في اسواق الحبوب، ومضارب البورصات، وصوامع فول الصويا. إنها حرب صامتة… لكنها أشد فتكا، لأنها تحدد من سيملك قرار الجوع والشبع على كوكب يزداد جوعا كل يوم.