الترابط الثلاثي.. طريق اليمن نحو الاكتفاء الذاتي والتنمية المستدامة

في عالمٍ تتشابك فيه التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، تبرز الحاجة إلى تجارب عملية تُجسّد مفهوم التنمية الشاملة لا بالشعارات، بل بالنتائج الملموسة.
ومن بين تلك التجارب، تبرز مبادرةٌ يمنيةٌ متميزة أثبتت أن الطريق إلى الاكتفاء الذاتي والاستفادة من التدخلات الإنسانية ودعم المشاريع الصغيرة هو النهج المتكامل الذي يوازن بين الاقتصاد والمجتمع والبيئة للوصول إلى نموٍّ مستدامٍ حقيقي.
إن ما يُعرف بـ نهج الترابط الثلاثي يُعد من أكثر الأساليب فاعلية لتحقيق التنمية المستدامة. فهو لا ينظر إلى التنمية من زاوية واحدة، بل يتعامل معها كمنظومة مترابطة توازن بين تعزيز الإنتاج المحلي، وتمكين الإنسان، وحماية البيئة في إطارٍ واحد يضمن النمو والاستقرار والعدالة.


فالجانب الاقتصادي في هذا النهج يسعى إلى دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتحفيز الإنتاج المحلي، بينما يُركّز الجانب الاجتماعي على تمكين الإنسان بالتعليم والتدريب والمشاركة المجتمعية، في حين يُعنى الجانب البيئي بالحفاظ على الموارد الطبيعية واستدامتها للأجيال القادمة.
ومن خلال هذا التكامل، يتحقق الهدف الأسمى: بناء تنميةٍ شاملة تحقق الاكتفاء الذاتي وتُرسّخ السلام المجتمعي.
نماذج عالمية ملهمة
من النماذج الرائدة عالميًا، تُعد مبادرة نِكسَس (Nexus) إحدى أبرز التجارب التي تجسد فلسفة الترابط الثلاثي من خلال شعارها:
تكامل التنمية والتدريب والسلام
وقد أثبتت هذه المبادرة أن الاستدامة لا تتحقق إلا حين تتكامل الموارد — الماء والطاقة والغذاء — في منظومةٍ واحدةٍ تُدار بعقلانيةٍ وتخطيطٍ طويل الأمد، ما يجعل التنمية أكثر مرونة وقدرة على مواجهة التحديات العالمية.
التجربة اليمنية الملهمة: منظمة عبس التنموية
في اليمن، تبلورت هذه الفكرة عبر تجربة منظمة عبس التنموية التي انطلقت قبل عام 2020 كمبادرة وطنية ذات رؤية شمولية.
تبنّت المنظمة نهج الترابط الثلاثي التأملي واضعةً نصب عينيها هدفًا وطنيًا يتمثل في إحلال السلام وتحقيق التنمية الشاملة للفرد والمجتمع.
سعت المنظمة إلى ترجمة هذا النهج من خلال برامج تأهيل وتدريب نوعية تركز على بناء القدرات البشرية وربطها بفرص إنتاج حقيقية تخدم احتياجات التنمية المعاصرة.
وقد تجسّد ذلك عمليًا في مشاريع ميدانية رائدة، مثل دعم الصيادين في مدينتي اللحية والمخا، حيث تم توفير المعدات الحديثة، وتدريب الصيادين على أساليب الصيد المستدام، ورفع وعيهم البيئي والاجتماعي.
هذه المبادرات لم تقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل عمّقت مفهوم السلام من خلال التنمية، إذ أصبح العمل والإنتاج وسيلة للتماسك الاجتماعي، وأداة لبناء الاستقرار المحلي.
الدروس المستفادة من التجربة اليمنية
من خلال التجربة الميدانية لمنظمة عبس، يمكن استخلاص مجموعة من الدروس العميقة:
 1. الإنسان هو نقطة الانطلاق وغاية التنمية.
فعندما يُمنح الأفراد فرص التعلم والعمل، يصبحون شركاء في صناعة التغيير.
 2. السلام لا يُفرض بالقوة، بل يُبنى بالتنمية.
فكل مشروع يخلق فرصة عمل، هو لبنة في بناء مجتمعٍ آمن.
 3. الترابط بين الاقتصاد والمجتمع والبيئة ليس ترفًا فكريًا،
بل هو أساس الاستمرار والازدهار في أي مشروع تنموي.
لقد أكدت التجربة اليمنية أن التنمية المستدامة لا تحتاج فقط إلى موارد مالية،
بل إلى رؤية وطنية شاملة تستثمر في الإنسان وتقوم على قيم التعاون والمشاركة،
وعندها تتحول التنمية إلى رسالة سلامٍ وأملٍ قادرة على رسم مستقبلٍ أكثر إشراقًا لليمن.