حين يتحول الدور الثوري إلى عبء سلطوي
بقلم : د. مرسي أحمد عبدالله
إن الوصف الأكثر دقة لتجربة المجلس الانتقالي الجنوبي في ملف الخدمات الأساسية وحقوق الموظفين هو "الدور العقيم" . هذا العقم ، الذي يراه الشارع بوضوح مراراً وتكراراً ، يمثل اليوم التهديد الأكبر للشرعية الشعبية للمجلس ، ويفضح التناقض بين الخطاب الثوري وواقع السلطة .
وهم الشراكة والمنصب المُقيد
دخل المجلس الانتقالي إلى "شراكة" مجلس القيادة والحكومة بوعود تحسين الخدمات وإصلاح الاقتصاد . لكن ما حدث كان تحولاً مريراً : تحول القادة الثوريون إلى مسؤولين مُقيدين . لقد أدركوا متأخرين أن هذه الشراكة ليست سوى "حصانة من المسؤولية للطرف الآخر" و("مصيدة للوم" عليهم هم) .
المناصب الوزارية التي حصل عليها الانتقالي أصبحت بلا نفوذ فعال على آليات الفساد العملاقة في الوقود والمالية . فالوزير المحسوب عليه يجد نفسه محاصراً ببيروقراطية الخصوم ، وتناقضات الحلفاء ، وشبكات فساد أقوى من قرار التعيين نفسه. النتيجة : منصب عالٍ ولكن دور تنفيذي عقيم .
أولوية السياسة على كرامة المواطن
يكمن العقم الأكبر في الأولويات السياسية . ما يزال الانتقالي يغلب فكرة "البقاء في الساحة السياسية" و"تأمين المكاسب الكبرى" على حساب تقديم دليل عملي وحاسم على جدارته بالحكم .
إن الخوف من "كسر اللعبة" مع الحلفاء ، أو "نسف" مجلس القيادة المعقد ، جعل القيادة تفضل الصمت والتحمل على الاصطدام والمحاسبة . وهذا يعني عملياً أن الكرامة الوطنية لأهل عدن (الرواتب ، النور ، الماء) أصبحت رهينة لأجندات التفاوض والمصالح الإقليمية .
في النهاية ، أدى هذا العقم إلى تجميد إرادة الإنجاز :
* المجلس أصبح عبئاً : تحول الانتقالي من قوة ترفع المعاناة إلى قوة تُبقي على الوضع الراهن ، لتصبح سلطته "شاهداً على المعاناة" بدلاً من أن تكون "حلاً للمشكلة" .
* الاعتماد على الفتات : بدلاً من بناء آليات مستدامة لإدارة الموارد الجنوبية ، ظل مصير الكهرباء والرواتب معلقاً بالمنح والودائع ، وهو ما يُكرس "سياسة الإذلال بالاحتياج" .
إن استمرار هذا "الدور العقِيم" سيؤدي حتماً إلى تآكل ما تبقى من الشرعية الثورية للمجلس . فالمواطن لا يقيس نجاح القيادة بكرسي الرئاسة، بل بكم ساعة نور تصل إلى بيته وكم يوماً يتأخر فيه راتبه . إن لم يستطع القائد الثوري أن يكون قائداً ناجحاً للخدمات ، فإنه يتحول إلى سلطة تقليدية فاشلة ، لا تختلف عن تلك التي ثار عليها .
لذا لابد للمجلس أن يفوق ويصحى من هذا السبات ، وأن يتفاعل مع مايحدث للمواطنيين من تعذيب وحرمان ، من ابسط مقومات الحياة ، فهو لسان حالهم ، وسلاحهم .