جرائم الدعم السريع.. وصمة عار في جبين الإنسانية وإعلان سقوط القيم البشرية

في خضم الأزمات الإنسانية التي تعصف بالعالم، تبرز الجرائم التي ترتكبها مليشيات الدعم السريع في السودان كواحدة من أبشع صور الانهيار الأخلاقي. تتواصل هذه الجرائم في ظل صمت دولي مريب وتخاذل عربي يُعبر عن عجز حقيقي في مواجهة المآسي الإنسانية. لقد تحولت مليشيات الدعم السريع إلى آلة قتل عمياء، تُمارس أبشع أنواع التعذيب والاغتصاب والقتل الجماعي ضد المدنيين في مناطق دارفور والفاشر وغيرها، دون أدنى اعتبار للقوانين الدولية أو لحرمة الدماء.

تشير التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، مثل «هيومن رايتس ووتش» و«أمنستي»، إلى أن هذه الجرائم تُشكل انتهاكات صارخة تصل إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. لقد استخدمت هذه المليشيا العنف الجنسي والاغتصاب كوسائل حرب، وارتكبت عمليات إعدام ميدانية وتصفيات عرقية، مما يثير القلق حول مستقبل الإنسانية في ظل هذه الممارسات.

ما يتردد في وسائل الإعلام، وما تم توثيقه من مقاطع فيديو تُظهر عناصر من المليشيا وهم يتفاخرون بجرائمهم، يُظهر حجم الوحشية التي تفوق كل تصور. في مشاهد تُندى لها جبين الإنسانية، يقوم هؤلاء بقتل العزل وتعذيب النساء والأطفال، مما يطرح تساؤلات حول طبيعة هذه الأفعال التي لا يمكن أن تصدر عن إنسان سوي. إن الإسلام، كدين يُعلي من قيمة الحياة وكرامة الإنسان، يتبرأ من هذه الأفعال التي تشوه صورته.

تؤكد الشهادات الواردة من الناجين أن ما يحدث في الفاشر ودارفور ليس مجرد اشتباكات، بل هو حملة تطهير عرقي ممنهجة تستهدف المدنيين على أساس قبلي وعرقي. لم تقتصر المليشيا على القتل، بل أحرقت البيوت ونهبت الممتلكات، وهاجمت المستشفيات، مما يعكس حرب إبادة كاملة ضد شعب أعزل لا يملك سوى صرخات الاستغاثة التي تتلاشى في صمت العالم.

في هذا السياق، أكدت مواقف عربية وسعودية على ضرورة وقف استهداف المدنيين، ورفض أي محاولات لفرض واقع عسكري بالقوة. دعت المملكة العربية السعودية وجامعة الدول العربية والمجلس الوزاري الخليجي إلى الاحتكام للحوار وحماية المدنيين، مشددة على أن الحل في السودان يجب أن يكون سلمياً وليس عسكرياً. ومع ذلك، تستمر مليشيات الدعم السريع في تصعيد انتهاكاتها، متجاهلةً هذه الدعوات في تحدٍ صارخ للأعراف الإنسانية.

تثبت الجرائم التي وثقت بالصوت والصورة أن هذه المليشيات ليست سوى تنظيم إرهابي يمارس القتل على الهوية وينشر الرعب والفوضى. يجب على المجتمع الدولي والعربي تصنيفها كجماعة إرهابية خاضعة للعقوبات، وفرض ملاحقات قضائية بحق قادتها ومن يقف خلفهم سياسيًا أو ماليًا. إن السكوت عن هذه الفظائع يُعتبر خيانة للضمير الإنساني، وتهاونًا مع إرهاب متشح بعباءة الوطنية.

ينبغي على الأمم المتحدة ومجلس الأمن والجامعة العربية التحرك العاجل لإنقاذ ما تبقى من أرواح بريئة، وإحالة ملف هذه الجرائم إلى المحكمة الجنائية الدولية دون تأخير. كما يجب على الدول العربية والإسلامية أن ترفع صوتها بوضوح، فليس هناك مجال للمجاملات في مسألة الدماء أو التسامح مع من جعل من القتل والاغتصاب وسيلة للحكم والبقاء.

في النهاية، ما يجري في السودان ليس مجرد صراع سياسي، بل هو معركة بين الإنسانية والوحشية، بين من يؤمن بكرامة الإنسان ومن يرى في الدماء وسيلة للنفوذ. مهما طال ليل الجريمة، سيأتي فجر العدالة، وستبقى هذه الجرائم وصمة عار في جبين مرتكبيها، وشاهداً على أن الصمت أحيانًا أقسى من القتل ذاته. 

إن معركة الإنسانية ضد هذه الممارسات تتطلب تضافر الجهود العالمية، لإعادة الاعتبار للقيم الإنسانية التي تُعتبر أساساً لتعايش الأمم والشعوب. في ظل هذه الأوضاع المأساوية، يبقى الأمل معقوداً على ضمير الإنسانية، وعلى قدرة المجتمع الدولي على اتخاذ خطوات جادة لإنهاء هذه الجرائم، وإعادة الأمل للشعب السوداني الذي يعاني من ويلات الحروب والاضطهاد.