إلى متى سيظل القرار السياسي يتعامل مع المعلم بهذا القدر من الإهمال؟
بقلم: محمد عبدالله مهيوب
كان لي شرف عظيم أن أكون أحد المكرمين في الحفل التربوي الذي نظمته إدارة التربية والتعليم بمديرية صيرة صباح اليوم، بقيادة التربوية القديرة الأستاذة إيمان شرجبي، مديرة التربية والتعليم في المديرية.
وقد حضر الحفل الأستاذ عوض بن عوض مبجر، وكيل محافظة عدن لقطاع التعليم، والأستاذة د. نوال جواد سالم، مدير عام مكتب التربية والتعليم بعدن، إلى جانب عدد من مسؤولي التربية والسلطة المحلية.
كرِّس الحفل لتكريم ثلة من التربويين الذين خدموا في ستينيات القرن الماضي، وهي الفترة التي شهدت فيها عدن ازدهارًا تعليميًا عظيمًا غيّر ملامح الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية في المدينة.
الحقيقة المرة: التعليم ضحية الإهمال السياسي
من وحي هذه الفعالية الجميلة، استحضرت العديد من الملاحظات والحقائق المؤلمة التي تمس صميم واقع التعليم والمعلم في بلادنا.
إن أكبر قضية فساد تشهدها البلاد اليوم ليست مالية أو إدارية، بل هي قضية تتعلق بتعامل القرار السياسي مع قطاع التعليم كقطاع خدماتي لا إنتاجي، وهو ما أدى إلى الانهيار المريع في مكانة التعليم والمعلم على حد سواء.
فماذا نتوقع من واقعٍ أصبح فيه راتب الفراش في المؤسسات الإيرادية أعلى من راتب المعلم؟!
في ألمانيا، خرج الأطباء والمهندسون في مظاهرة يطالبون فيها بمساواة رواتبهم مع رواتب المعلمين!
ما معنى ذلك؟
معناه ببساطة أن المعلم هناك يتبوأ مكانة متقدمة في هيكل الأجور، لأنهم يدركون أن نهضة الأمم تبدأ من احترام المعلم.
المدرسة.. أول موقع استثماري للتنمية
التعليم ليس قطاعًا خدميًا هامشيًا، بل هو الاستثمار الحقيقي الأول في التنمية والاقتصاد والأخلاق والقيم والأمن والاستقرار.
ولكن، هل يدرك أصحاب القرار هذه الحقيقة؟
هل يعلمون أن كل مؤسسة حكومية صغيرة تمتلك موازنة تشغيلية سنوية، بينما المدرسة – وهي أكبر مؤسسة في الدولة – لا تملك موازنة تشغيلية إطلاقًا؟!
هل يدركون أن الحد الأدنى للقبول في كليات الطب والهندسة يتجاوز 90%، بينما يُقبل الطالب في كلية التربية بنسبة أقل من 50%؟!
أي رسالة نوجهها للأجيال حين نجعل التعليم هو آخر الخيارات، لا أولها؟
معادلة الظلم
ولنضرب مثالًا صارخًا:
طالبان تخرجا من كلية التربية، الأول التحق بمؤسسة نفطية، والثاني عمل معلّمًا.
الأول يتقاضى أكثر من 200 ألف ريال، بينما لا يتجاوز راتب الثاني 50 ألف ريال!
هل يوجد ازدراء أكبر من هذا لمكانة المعلم؟
إن إصلاح التعليم هو مدخل إصلاح الدولة كلها، ولكن ذلك لن يتحقق ما دام مثلث التعليم مقلوبًا — القاعدة في الأعلى والرأس في الأسفل.
ولن يستقيم هذا المثلث إلا إذا استقام راتب المعلم أولًا، كخطوة أساسية لإصلاح بقية عناصر العملية التعليمية.
كلمة شكر واجبة
في الختام، أتوجه بجزيل الشكر والتقدير للأستاذة إيمان شرجبي، صاحبة فكرة هذا التكريم الجميل الذي يعيد الاعتبار للمعلم.
كما أشيد بالأستاذ عوض مبجر، وكيل قطاع التعليم، على دعمه المتواصل للجهود التربوية في المحافظة، وبالقيادة التربوية المتميزة د. نوال جواد، مدير عام مكتب التربية والتعليم بعدن، على دورها البارز في تعزيز روح العطاء التربوي.


