صوت الإنسان المنسي في اليمن

اليمن... أولاً

هناك وجوهٌ لا يراها الضوء، وصرخات لا تصل إلى أسماع العالم، وأحلام تموت في صدور أصحابها قبل أن تولد. في أرض اليمن، حيث يُفترض أن تتفتح الكرامة مع أول نسمة صباح، هناك رجال ونساء وأطفال يلتحفون السماء ويفترشون الأرض. لا يملكون سقفًا يصدُّ عنهم برد الليل، ولا مطبخًا يطهى فيه الطعام، بل حجيرات تُستعان بها لإشعال نارٍ واهنة لطهي لقمة قد لا تأتي.

أولئك البسطاء لا يطلبون رفاهية، ولا ينافسون على مقاعد السلطة أو مكاسب السياسة، إنما يريدون حقهم الطبيعي في الحياة؛ لقمة تسد الجوع، ودواء يخفف الألم، ومدرسة تُعلّم أبناءهم كي لا يكون المستقبل تكرارًا لهذه المأساة.

كم طفلاً في اليمن فتح عينيه على واقعٍ لا يجد فيه كتابًا ولا معلمًا ولا مقعدًا مدرسيًا؟ كم أمًّا تحلم أن ترى طفلها يحفظ حروفه بدل أن يحصي أحجار الفرن البدائي؟ وكم أبٍ يعجز أن يؤمّن قوت يوم لأسرته، فيكتفي بالصمت وتبقى كرامته تصرخ في داخله؟.. إن الفقر ليس جرمًا، لكن ترك الفقراء وحدهم هو الجريمة. وما يحدث اليوم هو تجاوز للإنسانية بكل معانيها. الدول تُبنى بالعلم والعدل والتكافل، لا بالتجاهل والتراخي والوعود الموسمية التي تذوب مع أول شمس. فكيف لمجتمع أن ينهض ونصفه جائع؟ وكيف لوطن أن يتقدم وأبناؤه بلا تعليم ولا رعاية ولا أمان؟

هؤلاء الناس لا يحتاجون خطابًا سياسيًا ولا صورًا تذكارية لمناسبات خيرية، بل منظومة حقيقية تحفظ للإنسان آدميته. يحتاجون برامج دعم مستدامة، ومدارس مجتمعية، ومشاريع صغيرة تخلق فرص عمل، ومطابخ إنسانية لا تُطفيء نارها إلا حين يشبع الجميع.

كما يحتاجون دولة تعرف أن قوت المواطن ليس فضلًا، وأن كرامة الإنسان ليست منحة، وأن التعليم ليس ترفًا، بل أساس التحرر والبناء والنهوض.

إن اليمن اليوم بحاجة لضمير حي قبل أن يحتاج إلى ثروة، وبحاجة ليد تتلمس عرق الفقراء قبل أن تتلمس ثروات الوطن. فالوطن ليس قصورًا ولا مناصب ولا خطابات. الوطن هو هؤلاء الذين يتنفسون صبرًا ويعيشون على الأمل الضعيف بأن أحدًا ما سيقف لأجلهم.

أكتب هذه الكلمات لا لزيادة الحروف في زمن الكلام، بل لعلها تكون صدى يصل إلى مسؤول يتذكر أنه وُضع ليخدم، أو إلى قلب قادر على مد يد العون، أو إلى منظمة إنسانية تعيد النظر وتوسّع دائرة اهتمامها.

فمن حق هؤلاء أن يعيشوا حياة تليق بإنسانيتهم، وأن يجدوا غرفة بدل السماء، ووسادة بدل التراب، وكتابًا بدل حجر النار.

وختامًا، إن إنصاف هؤلاء ليس إحسانًا بل هو واجب، ومنحهم أبسط مقومات الحياة ليس صدقة بل حق. فاليمن لن ينهض إلا حين ينهض آخر الفقراء فيه، وستظل الأمم تُقاس بكرامة أضعف أبنائها، لا بقوة أقواها.ولعل هذا النداء يكون بداية لا نهاية لصوت الإنسان المنسي.