الاحواز… مئة عام من الاحتلال وصمت العرب: الشعب العربي الذي تُرك وحيدًا

بقلم: ا.د. سمير الشرجبي
أكاديمي يمني

في الأيام الماضية لفت نظري منشور واسع الانتشار على شبكات التواصل الاجتماعي يتحدث عن «اختفاء دولة عربية كاملة من الخريطة قبل مئة عام». ورغم أن المحتوى المتداول على المنصات غالبًا ما يفتقر للدقة أو يميل للمبالغة، إلا أن هذا المنشور دفعني للتوقف والتفكير: كيف يمكن لقضية بحجم الأحواز—إقليم عربي كامل، أرضًا وتاريخًا وهوية—أن تُمحى تقريبًا من الوعي العربي؟

أنا شخصيًا أعرف هذه القضية منذ سنوات، ولي مواقف سابقة عبّرت عنها في مناسبات عدة، كما أن لي أصدقاء من أهلنا هناك في الأهواز العربية. ومع ذلك، رأيت أن أكتب هذا المقال المختصر لأضع بين يدي القارئ خلاصة واضحة ومباشرة: كيف اختفت إمارة عربستان في ليلة واحدة؟ وكيف تبدّل اسمها إلى خوزستان، وتحوّل شعبها من أغلبية عربية حرة إلى أقلية مقموعة داخل دولة تحتل أرضهم؟ ولماذا بقيت حركات التحرر الأحوازية وحدها تقاوم القمع والتصفية منذ عهد الشاه وحتى نظام الملالي… بلا أي دعم عربي فعلي؟

هذا المقال ليس إعادة تدوير لروايات السوشيال ميديا، بل محاولة بسيطة لصياغة صورة مهنية ومفهومة تعيد هذه القضية إلى الواجهة، باعتبارها إنذارًا للمستقبل. فالدول لا تختفي دائمًا بالحروب؛ أحيانًا تختفي بالصمت، وبالانشغال عنها، وبضعف صوتها الداخلي.

من المهم التذكير بأن عام 2025 شهد في أبريل الماضي الذكرى المئوية لاحتلال الأحواز العربية، الإقليم الذي كان إمارة مستقلة تُعرف باسم عربستان. سقطت الإمارة في 1925 بعد اعتقال الأمير العربي خزعل الكعبي، وانتهى معها آخر حكم عربي على ضفاف الخليج. ومنذ ذلك اليوم، بقي الشعب الأحوازي يناضل وحده: ثابتًا على عروبته، متمسكًا بلغته وتراثه وهويته رغم موجات القمع والتهميش.

منذ الساعات الأولى للاحتلال، بدأت محاولات محو الهوية: منع العربية، تغيير أسماء المدن، تهجير السكان، وإدخال موجات من الفرس لفرض تغيير ديموغرافي. ومع ذلك، لم تنطفئ روح المقاومة؛ ثورات واحتجاجات متواصلة جيلًا بعد جيل، وكل الأحوازيين يرددون: “نحن عرب… ولن نمحى.”

الأحواز ليست مجرد إقليم جغرافي؛ إنها امتداد طبيعي للعراق والجزيرة والخليج، ثقافةً ولغةً وأصالةً. وهي أيضًا أغنى مناطق إيران بالنفط والمياه والموانئ. بكل وضوح: لولا الأحواز لما كانت لإيران قوة نفطية أو نفوذ على الخليج، ولما استطاعت فرض وجودها الإقليمي الذي تتباهى به اليوم.

ورغم هذا كله، ظهرت رواية إيرانية بُنيت بعناية لاستمالة جزء من الرأي العام العربي: شعار “المقاومة”. فإيران—منذ احتلال الأحواز—كانت تبحث عن غطاء سياسي يجعل العرب يغضون الطرف عن جريمتها. وجدت ضالتها في القضية الفلسطينية، فرفعت شعار الدفاع عن فلسطين بينما كانت تمارس الاحتلال ذاته على شعب عربي آخر.

فكيف تُسمّى دولة “مقاومة” وهي تحتل أرضًا عربية، وتقمع شعبًا عربيًا، وتمنع لغته وتراثه؟ المحتل لا يصبح مقاومًا، والمقاومة ليست رخصة لابتلاع الشعوب. ولا يمكن لمن يحتل الأحواز أن يحرر القدس.

إيران استغلت القضية الفلسطينية لإسكات أي نقد عربي، ولتوسيع نفوذها داخل الدول العربية عبر جماعات تابعة لها، مما أدى إلى دول ضعيفة ومنقسمة ومنهكة. ولو كانت إيران صادقة في خطابها المقاوم، لبدأت بتحرير الأحواز التي تحتلها، لكنها لن تفعل، لأن وجودها الإقليمي قائم على نفط الأحواز وموقعها الجغرافي الحيوي.