النصر المؤجل: حضرموت بين التحرير المنشود وعقدة الانتظار

بقلم: د. مرسي أحمد عبدالله
عشر سنوات مرت منذ أن أعلنت عدن تحريرها، لكن فرحتها ظلت حبيسة، غير مكتملة، كأنها وعد ينتظر الإنجاز. اليوم، تُطوى صفحة الوجود السابق في حضرموت، الشريان الحيوي للجنوب، حيث يُعقد الأمل على أن يكون هذا التحرير هو المفتاح الذهبي لفك قيد الفرحة المحبوسة في كل المدن.
لكن النصر، وهو يتأخر، يترك خلفه أسئلة مؤلمة لا يمكن تجاوزها بالاحتفالات وحدها.
أولاً: لماذا تأخر تحرير حضرموت عقدًا كاملاً؟
هذا هو السؤال الأكثر مرارة الذي يطرحه الشارع الجنوبي اليوم. إذا كان مصير الجنوب مرتبطاً بحضرموت، وإذا كانت القوات المُنظمة قادرة على حسم الأمور، فلماذا استغرق الأمر ما يقارب العشر سنوات للسماح بتحرير هذا الجزء الاستراتيجي؟
عشر سنوات من التأخير تعني:
 * استنزاف الموارد: استمرار النزيف الاقتصادي والمعيشي في المناطق المحررة جزئياً (كعدن)، حيث بقيت الخدمات متدهورة.
 * تعقيد المشهد: منح الفرصة لنمو وتجذر قوى أخرى غير وطنية في المنطقة.
 * تأجيل المشروع الوطني: تعطيل عملية البناء والاستقرار الشامل الذي كان يمكن أن يبدأ مبكراً.
هذا التباطؤ يضع على الطاولة فرضيات حول المساومات السياسية أو الاستثمار في الفوضى أو ربما التردد والولاءات المتشابكة لبعض القيادات التي فضلت الانتظار على حسم المعركة. إن التأخير ليس مجرد خطأ تكتيكي، بل هو قرار سياسي يجب مساءلة صانعيه.
ثانياً: من الذي أبقى حضرموت في أيدي المحتل، إذا كانت لا تزال محتلة؟
هنا بيت القصيد. المحتل لم يكن ليبقى كل هذه المدة لولا وجود عوامل داخلية ساعدته على الثبات أو التأخير. السؤال يوجه أصابع الاتهام إلى أكثر من طرف:
 * التنافس الجنوبي الداخلي: هل كان الصراع بين القوى الجنوبية على النفوذ سبباً في تشتيت الجهود وتأجيل الهدف الأسمى؟
 * التبعية والمساومة: هل فُرضت شروط إقليمية أو دولية على قادة القرار الجنوبي لإبقاء الوضع على ما هو عليه خدمة لأجندات لا تعنيهم؟
 * عقدة العقل: الأهم من ذلك، حضرموت المحررة اليوم تذكرنا أن بعض الأغلال ليست على الأرجل فقط، بل في العقول أيضاً. التفكير المتخاذل، وتقديم المصلحة الفئوية، والرضوخ للفساد، كل هذه هي أغلال عقلية أبقت المنطقة في مربع الانتظار، واستمرارها هو شكل من أشكال الاحتلال الداخلي.
ثالثاً: هل اكتملت الفرحة أخيراً؟
إن تحرير حضرموت خطوة مباركة لا جدال فيها. لكنها لن تكون نهاية القصة، بل يجب أن تكون بداية العمل الحقيقي. لن تكتمل الفرحة حتى يعلن الجنوب معركة جديدة:
 * معركة بناء الإنسان: تكوين مواطن واعٍ، يقدّر الحرية، ويرفض الفساد، ويُطالب بالعدالة.
 * معركة بناء المؤسسة: إقامة دولة القانون التي تجعل العيش فيها "يستحق الحياة"، حيث الخدمات متوفرة، والعدالة سيدة الموقف.
إذا لم نبدأ فوراً بكسر أغلال العقول وبناء الوطن المستحق، فإن فرحة التحرير ستنتقل إلى حضرموت لتصبح هي الأخرى "فرحة حبيسة" تنتظر اكتمالها الأبدي. النصر ليس في طرد محتل، بل في إقامة العدل وتطهير الداخل من أغلاله.