لماذا تفشل الدول؟
منذ فجر التاريخ، والدولة القوية المستقرة نعمة عظيمة تحمي الدين والنفس والمال والعقل والعِرض، أما إذا انهارت؛ فإنها تتحول إلى نقمة تذيق شعوبها مرارة الفوضى والخوف والجوع... والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم: لماذا تفشل الدول؟ وما هي دروس النجاة للأمة؟
تبدأ رحلة الانهيار بالاستبداد وغياب الشورى؛ حيث تتحول السلطة إلى أداة قمع بدل أن تكون وسيلة عدل. ثم يتفشى الفساد والمحسوبية، وتتفتت مؤسسات الدولة لصالح المليشيات، ويُسلب القرار السيادي بتدخلات الخارج.
والأمة التي تضيع ثرواتها وتُهدر مواردها، تصبح عاجزة عن النهوض؛ فالاعتماد على الريع وحده دون إنتاج وصناعة يجعلها تابعة، والديون والبطالة والفقر المتفشي يضعف بنيانها. أما احتكار الثروات بيد قلة وحرمان السواد الأعظم، فيمزق جسدها الاجتماعي.
وحين تُعسكر السياسة، يتحول الجيش من حامٍ للوطن إلى سوط على ظهر المواطن. وإذا ضعفت العقيدة الوطنية الجامعة، وانتشرت المليشيات والجماعات المسلحة، ضاع الأمن وانهارت السيادة. والتدخلات الأجنبية لا تجد طريقها؛ إلا حين تضعف الأمة من الداخل.
والطائفية والقبلية والمناطقية تمزق النسيج الاجتماعي، وتفتت الهوية الجامعة لصالح هويات فرعية ضيقة. وهجرة العقول تنزف الأمة من طاقاتها، وانهيار التعليم يطفئ نور المستقبل، فيما يفتح الفساد الأخلاقي أبواب الخراب على مصراعيه.
واليأس والإحباط وفقدان الثقة بالمؤسسات ينهك الشعوب؛ فآثار الحروب والنزوح تصنع جيلا مثقلا بالجراح، فيما تغييب التربية الصالحة والتعليم البنّاء يحرم الأمة من أداة النهوض.
والاستعمار الجديد لم يرحل؛ بل ارتدى ثوب “الفوضى الخلاقة”، يغذي الصراعات الطائفية، ويفرض تبعية اقتصادية عبر مؤسسات دولية؛ ليبقى القرار الوطني مرهوناً للغير.
العدل أساس الملك، فإذا غاب العدل وحكمت الأهواءبدل الشريعة؛ ضاعت مقاصد الدين وفقدت الأمة مشروعها الجامع. ووحدها المرجعية القرآنية هي القادرة على إعادة الوحدة والعزة.
والخلاص لا يكون إلا بالعودة إلى الله، وإقامة العدل، وتثبيت الشورى، ومحاربة الفساد؛ ببناء اقتصاد منتج، وإصلاح التعليم، وتوحيد الصف الوطني، واستعادة القرار من التبعية، وبذلك تستعيد الأمة قوتها ومكانتها.
إن الدول لا تنهار من فراغ؛ بل تسقط حين يُهدر العدل وتُستباح الثروات وتُفرّق الصفوف. والقرآن والسنة والتاريخ يشهدون: أن دوام الملك مرهون بالعدل، وأن الظلم مؤذن بخراب العمران.
نسأل الله أن يسلم بلاد المسلمين، ويلطف بالعباد، ويديم سلامتهم!


