قضية الجنوب في اليمن واستعادة الدولة الجنوبية
بقلم: رشا علي
تُعدّ قضية الجنوب في اليمن واحدة من أبرز القضايا السياسية والإنسانية في المنطقة، لما تحمله من جذور تاريخية عميقة، وتداعيات سياسية واجتماعية مستمرة منذ عقود. فهي ليست مجرد خلاف سياسي طارئ، بل قضية شعبٍ له تاريخ وهوية ودولة، يسعى اليوم لاستعادة حقه المشروع في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة.
الجذور التاريخية لقضية الجنوب
كان الجنوب العربي دولة مستقلة ذات سيادة حتى عام 1990، تُعرف باسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ولها نظام سياسي ومؤسسات دولة معترف بها دوليًا، وعضوية كاملة في الأمم المتحدة. في 22 مايو 1990، تم إعلان الوحدة بين شطري اليمن (الشمالي والجنوبي) في ظروف سياسية معقّدة، رافقها اختلال واضح في ميزان الشراكة.
ومع مرور الوقت، تبيّن للجنوبيين أن الوحدة تحوّلت من مشروع شراكة إلى مشروع هيمنة وإقصاء، خاصة بعد حرب صيف 1994 التي كرّست واقع السيطرة بالقوة، وأدّت إلى تفكيك مؤسسات الدولة الجنوبية، وإقصاء الكوادر، ونهب الأراضي، وطمس الهوية الجنوبية.
معاناة الجنوب بعد الوحدة
عانى شعب الجنوب من سياسات التهميش والإقصاء الممنهج، حيث تم تسريح آلاف العسكريين والمدنيين، والاستيلاء على الثروات، وغياب العدالة، وانتشار الفساد. هذه الممارسات خلقت شعورًا عميقًا بالظلم، وأدّت إلى ولادة حراك شعبي سلمي منذ عام 2007، عُرف بـ الحراك الجنوبي، مطالبًا باستعادة الحقوق، ثم تطور لاحقًا إلى المطالبة الصريحة باستعادة الدولة الجنوبية.
التحولات السياسية ودور الجنوب اليوم
مع اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، برز الجنوب كقوة فاعلة في مواجهة الانقلاب الحوثي، وقدّم تضحيات جسيمة دفاعًا عن الأرض والهوية. وفي خضم هذه التحولات، تشكّل المجلس الانتقالي الجنوبي كحامل سياسي لقضية الجنوب، معبّرًا عن تطلعات شعبه في استعادة دولته، وبناء كيان سياسي يعكس إرادته.
أثبت الجنوب قدرته على إدارة شؤونه الأمنية والخدمية، وفرض الاستقرار النسبي في محافظاته مقارنة بمناطق أخرى، ما يعزّز حقه في إدارة دولته المستقلة وفق أسس حديثة.
استعادة الدولة الجنوبية: حق مشروع
إن المطالبة باستعادة الدولة الجنوبية ليست دعوة للتقسيم أو الفوضى، بل هي ممارسة لحقٍ أصيل كفلته المواثيق الدولية، وعلى رأسها حق تقرير المصير. فالشعوب التي تعرّضت للإقصاء والهيمنة لها الحق في اختيار مستقبلها السياسي بما يحقق كرامتها واستقرارها.
الدولة الجنوبية المنشودة هي دولة قانون ومؤسسات، قائمة على المواطنة المتساوية، تحترم حقوق الإنسان، وتفتح أبوابها للتعايش والسلام الإقليمي، وتسعى لبناء علاقات متوازنة مع محيطها العربي والدولي.
خاتمة
قضية الجنوب ليست قضية أشخاص أو نخب، بل قضية شعبٍ قدّم التضحيات، وصمد في وجه التحديات، ولا يزال متمسكًا بحقه المشروع في استعادة دولته وهويته. إن أي حل عادل وشامل للأزمة اليمنية لن يكتب له النجاح ما لم يُنصف الجنوب، ويعترف بإرادة شعبه، ويمنحه الحق الكامل في تقرير مصيره.
ستظل قضية الجنوب حيّة في وجدان أبنائه، حتى تتحقق تطلعاتهم في الحرية، والكرامة، واستعادة دولتهم الجنوبية كاملة السيادة.


