الجنوب اليوم: كيف ننال دولتنا الجديدة؟

أتحدث اليوم عن جنوبٍ لم تعد قضيته مجرد معاناة نعيشها، بل مشروع دولة نسعى لنيلها بوعي ومسؤولية.

 نحن في الجنوب نمرّ بمرحلة مفصلية، ندرك فيها أن الألم وحده لا يصنع وطناً، وأن الدولة لا تُمنح، بل تُنتزع بإرادة شعب، وبعمل سياسي منظم، وبمشروع واضح المعالم.

أؤمن أن واقعنا الحالي، بكل ما فيه من صعوبات، جعلنا أكثر وعياً بأن غياب الدولة هو أصل الأزمة. فالمعاناة اليومية التي نعيشها في الخدمات، والاقتصاد، والأمن، ليست قدراً، بل نتيجة طبيعية لغياب كيان سياسي يحمي الإنسان الجنوبي ويدير موارده بعدالة. 

من هنا، أصبحت استعادة دولتنا ضرورة وجودية لا شعاراً عاطفياً.

أرى أن أول طريق نيل الدولة الجديدة يبدأ بتوحيد الصف الجنوبي. 

فلا يمكن أن نطالب العالم بالاعتراف بنا ونحن منقسمون على أنفسنا. 

قوتنا في وحدتنا، وفي قدرتنا على تقديم خطاب سياسي واحد يعبر عن تطلعات شعبنا، ويثبت أننا أصحاب قضية عادلة ولسنا طرفاً عابراً في صراع مؤقت.

ومن موقعي كمواطنة جنوبية، أدرك أن العالم لا ينظر إلى الحقوق وحدها، بل إلى القدرة على الإدارة والاستقرار. لذلك، فإن بناء مؤسسات قوية، وفرض الأمن، واحترام القانون، ليست أموراً ثانوية، بل رسائل سياسية أساسية تقول للعالم إن الجنوب قادر على أن يكون دولة مسؤولة لا عبئاً جديداً.

اقتصادياً، أعلم أن دولتنا القادمة لن تُقاس بالحدود ولا بالأعلام، بل بقدرتها على تحسين حياة الناس.

 لدينا ثروات وموقع استراتيجي مهم، لكننا بحاجة إلى إدارة شفافة تحوّل هذه الإمكانات إلى فرص عمل، وخدمات، وعدالة اجتماعية يشعر بها المواطن في حياته اليومية.

وفي خطوة هذا الطريق، تبقى عدن بالنسبة لي قلب الحكاية، ومرآة الوجع الجنوبي كله.

 مدينة أنهكها الإهمال، لكنها لم تفقد روحها.

 وحين أبحث عن كلمات تصف حالها اليوم، أجدها حاضرة في شعر ابنها لطفي جعفر أمان، الذي كتب عنها بصدق لا يشيخ، وكأنه يرى حاضرها قبل أن يأتي:

أحبكِ يا عدن

يا لحنـاً في شَجَن

يا دمعـةً في مُقَل

يا بسمةَ الزمن

هذه الكلمات لا تصف عدن كمدينة فرح فقط، بل كمدينة شجنٍ عميق، تختلط فيها الدموع بالحنين، والألم بالأمل.

هكذا هي عدن اليوم: متعبة، موجوعة، لكنها ما زالت قادرة على أن تُحَب، وعلى أن تكون رمز الدولة التي نحلم بها، لا أنقاضها.

عدن التي غنّى لها الشعراء، لم تكن يوماً مدينة رفاه، بل مدينة معنى.

 واليوم، ونحن نطالب بدولتنا الجديدة، لا نفعل ذلك هرباً من الواقع، بل وفاءً لهذه المدينة، ولهذا الجنوب، ولحقنا في وطن يحترم الإنسان ولا يرهقه.

ختاماً، أقولها بوضوح: نيل دولتنا الجديدة مسؤولية جماعية، تبدأ بالوعي، وتستمر بالعمل، وتنتهي باعتراف دولي نحصل عليه لأننا استحققناه، لا لأن أحداً منحنا إياه.

 نحن لا نبحث عن صراع جديد، بل عن دولة تحمي كرامتنا، وتصون مستقبل أجيالنا، وتمنح الجنوب حقه في الحياة كما يستحق.