رسمة على حجر الذاكرة
بين زمن مضى وذكريات لا تُنسى ولا تُمحى هناك قصة محفورة في الذاكرة بدأت من رسمة وُضعت على حجر في واقع يشبه الحكاية
في أحد الأعوام الماضية حين كنت في الصف الثاني الابتدائي كانت لدي هوايتان أعشقهما الابتكار والتعبير في اللغة العربية والرسم وفي أحد الأيام طلب منا المعلم في حصة الرسم أن نحضر دفترًا خاصًا للتدريب على مهارات الرسم الكل استعد بحماس ينتظر أول حصة بفارغ الصبر
جاء اليوم المنتظر وكانت أول مهمة لنا هي رسم الصفحة الأولى من الكتاب والتي كانت تتضمن علم الوحدة يتوسطه النشيد الوطني لكن في ذلك اليوم تراكمت عليّ الواجبات واضطررت لتأجيل الرسم قلت لنفسي برسمها في البيت وأجيبها بكرة
رجعت إلى البيت ولقيت أبي كان دائمًا مهتمًا بما أفعله قلت له عن الرسمة فقال لي أنا بساعدك وافقت فبدأ يرسم خطوطًا على الورقة نظرت إليه باستغراب وقلت له ما هي كذا فرد بابتسامة اصبر يا ابني
استمر في الرسم حتى شارف على الانتهاء ثم شغّل جهاز الكمبيوتر وفتح صورة النسر الجنوبي وقال لي لوّنها على هذه الألوان وفعلاً لونتها كما أرشدني
في اليوم التالي أخذت الرسمة معي إلى المدرسة وكنت مترددًا وخائفًا أن أكون قد خالفت المطلوب عرضتها على المعلم فإذا به يبتسم ويكتب عليها جيد جداً ارتحت كثيراً وعدت إلى البيت وأنا أحمل الخبر لأبي
قلت له المعلم استبشر وما طردني فرد أبي بثقة يا ابني قضيتنا عادلة والكل يعرف ذلك لكن الاحتلال زرع الخوف في قلوب الناس يخوفهم إن اللي يسوي كذا يُكسر أو يُعاقب بس إحنا بنرجع وبنستمر
ثم أضاف ممازحاً شوف النسر أو الصقر حق الشماليين وشوف حقنا حقهم قاعد مفلقح وحقنا واقف ما يتعب يدل إن حقنا قوي
ومن ذلك العمر نشأت على مبدأ ثابت لم تغيّره الأيام ولا غيّرت مواقفي الإخفاقات فالشمس لا بد ان تشرق
تحياتي


