الحكاية التي وقعنا فيها!!
كتب: منصور بلعيدي_
يُحكى أن ملكاً أرسل حرسه الخاص ليحضروا أحد مستشاريه في ساعة متأخرة من الليل. وعندما أُحضِروا المستشار، كان خائفاً ولا يدري لماذا استدعاه الملك في هذا الوقت المتأخر من الليل.
ومثل بين يدي الملك، قال له الملك بصوت مرهق: "اسمع أيها المستشار: لقد اخترتك من بين كل مستشاريي لأنني أعلم أنك أرشدهم عقلاً وأشدهم ذكاءً". فرد المستشار وهو ينحني احتراماً: "شكراً يا مولاي، وسأكون عند حسن ظنك."
قال الملك: "أتدري أنني لم أنم هذه الليلة لأن هناك سؤالاً يؤرقني وأريد منك إجابة تستند إلى دليل قاطع." قال المستشار: "أمر يا مولاي، سل سؤالك وسأجيبك عنه بإذن الله."
قال الملك: "أيهما أفضل: الحظ أم القداسة؟!
قال المستشار دون أدنى تفكير: "بل القداسة يا مولاي." فضحك الملك وقال: "سأدحض رأيك أو تثبت لي رأيك بالدليل." وافق المستشار وخرج الاثنان صباح اليوم التالي إلى أحد الأسواق.
وقف الملك يتأمل وجوه رعيته حتى رأى حمالاً بائساً جداً، فأمر الحراس بأن يأخذوه إلى القصر وأن يطعموه ويلبسوه الحرير ثم عينه وزيراً وأدخله إلى مجلسه.
اندهش المستشار عندما رأى الحمال صار وزيراً. قال الملك: "أيهما أفضل الآن، الحظ أم القداسة؟" أجاب المستشار: "أعطني فرصة يا مولاي لأثبت لك أن القداسة هي الأفضل."
خرج المستشار إلى السوق، فوجد حماراً هزيلاً، وسخاً ومنهكاً من التعب. اقترب منه وبدأ يتحسسه، والناس ينظرون إليه باستغراب حتى تجمهروا حوله.
ثم قال بصوت عالٍ: "أيها الناس أتعلَمون أن هذا الحمار قد حمل على ظهره أحد أنبياء الله وقد وصف في الكتاب الفلاني نقلاً عن فلان بن فلان، هذا الحمار من أهل الجنة." .
وما هي إلا لحظات حتى أصبح الحمار الأجرب مزاراً وامتلأت آذانه بالنذور، وبدأ الناس يتبركون به.
هذا يطعمه، وذاك يغسل يديه، وتلك تأخذ شعرة منه لتتزوج، وتلك تتمسح به لترزق بطفل.
ثم أسكنوه بيتاً نظيفاً وعينوا له خدماً، وصار يسرح ويمرح في أي مكان ويأكل ويشرب من أي بيت يريد والكل يقدسه ويتبرك به.
عاد المستشار إلى الملك وقال: "الآن يا مولاي، أيهما أفضل؟!
طأطأ الملك رأسه فابتسم المستشار وقال: "أتدري يا مولاي ما الفرق بين الحظ والقداسة؟!
قال الملك: "لا." قال المستشار: "أنت يا مولاي ألبست هذا الحمال ثوب العافية والسلطة، وهذا ثوب زائل لأنك تستطيع أن تسلبه منه.
أما أنا فقد ألبست هذا الحمار ثوب القداسة، ولا يمكن أن يسلبه منه أحد حتى أنت يا مولاي.
فكم من حمار ألبسه الجهلة ثوب القداسة فأصبح يسرح ويمرح على كل المستويات، فجعلوا البلد يدور في فلك الحمير."