ياااااا لنفحات رمضان ،،،
بقلم: د. سعيد سالم الحرباجي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده"
النفحات :جمع نفحة ، من نفح إذا فاح وهب ، وأعطى وانتشر .
والنفحات: ما ينشر الله لعباده ويفيضه عليهم من آثار رحمته من الخيرات والمواهب والعطايا
ومن كرمه ، وفضله ، وجوده سبحانه أن جعل لتلك النفحات أسواقاً تُعرض فيها ...
فيتسابق فيها المتسابقون ، ويشمَّر فيها المشمَّرون ، ويتبارى فيها المُتبارُون لاغتنام ذلك الفضل ، ولاقتناص تلك الفرص ، ولاستغلال
هذا العطاء .
لذلك كان رمضان من أعظم مواسم الخيرات التي تتجلى فيها نفحاته سبحانه وتعالى..
فهاهي نسائم الرحمن قد أقبلت ، وهاهي روائح الجنان قد فاحت ، وهاهي لطائف الديان قد حلت ، وهاهي خيراته قد عُرٌضت ، وهاهي أسواقه قد فُتِحت ، وهاهي أنواره قد هلَّت ...
وهاهي الشياطين ومردت الجان قد صُفِّدت وهاهي أبواب النيران قد أُغلِقت، وهاهي أبواب الجنان قد فُتحت ، وهاهي موائد القرآن قد فُرِشت ...
وهاهو ذا منادِِ من قبل الحق سبحانه ينادي :
"يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة"
فيا له من شهر عظيم !!
ويا لها من نفحات عظيمة !!!
تتضاعف فيها الأجور ، وتزداد فيها الحسنات ، وتكثر فيها القربات ، وَتُمْحَى فيها السيئات .
قال الحبيب المصطفى:
( من صام رمضان إيمانأ واحتسابأ غُفِر له ما تقدم من ذنبه ) .
وفي هذا العرض الإلهي ليلة ...العمل الصالح فيها خير من ألف شهر.
( ليلة القدر خير من ألف شهر) .
كل تلك الفضائل ، وكل هذا العطاء ، وكل هذه النفحات ...مدة عرضها ( شهر واحد لا غير ) .
كما أخبر ربنا عنه فقال "أياماً معدودات"
هكذا تهب رياح الأيمان في هذا الشهر , وتسوق غيثه العميم ليروي أرض القلوب القاحلة ...
فتهتز ، وتربو ، فَتُنْبِتَ الفضائل الجميلة , وَتُزهر الأخلاق العالية , فَتَؤتي أكُلها كل حين بإذن ربها .
ألا ترى كيف يتخلق المسلم في هذا الشهر من جديد ...كأنما هو شخص آخر , وبشر مختلف , وإنسان ثان.. وقد ألغى الشخصية الأولى تماما ....ذلك ما يتبدى من خلال سلوكه وأفعاله وأخلاقه وعباداته وإقباله على ربه ... حتى يصير حاله أن يتحرز من قطرات الماء كي لا تبل ريقه وهو في قمة العطش .
فأين كان بالأمس وأين هو اليوم ؟
فهل هناك عبادة من العبادات ترفع منسوب التقوى خلال ثلاثين يوماً بهذه الصورة؟
وهل هناك فريضة من الفرائض توصلك إلى تلك الدرجة العالية من مراقبة الله وخوفه مثل الصوم ؟
ألا إنها مدرسة الصوم ..وما أدراك ما مدرسة الصوم ؟
مدرسة تُقام فيها هذه الدورة الإيمانية الإجبارية كل عام مرة واحدة (ثلاثون يوماً) فتحدث انقلاباً شاملاً في كيان المسلم , فتزكو نفسه , ويرق قلبه , ويخشع فؤاده , وتسمو أخلاقه , وتحسن أفعاله , وتزدان عباداته .
فكم أنت عظيم أيها الشهر الكريمِ.