وداعاً بلال مدينة مكيراس (الحاج صالح صومل)

وداعاً لصوت وصدى مدينة مكيراس على مدى أكثر من نصف قرن من الزمن 
وداعاً للعبارة الخالدة (هل اذن صومل)
وداعاً للصوت الذي لازمنا طوال مشوار حياتنا..
وداعاً لاسم (الحاج صالح) الذي اختص به من بين الجميع
بعد عمراً طويل وصدى صوت تعاقب عليه الأجيال تلو الأجيال.. بعد زمناً امتد لأكثر من ستين عاماً وصوته بالأذان يدوي في سماء مدينة مكيراس والقرى المجاورة.. ودعت مديرية مكيراس مع غروب شمس يوم أمس الأول الأربعاء الحزين ودعت صوتها الصداح وشيخ مؤذني مديرية مكيراس وأقدم مؤذن عرفه أهالي المديرية الحاج الفاضل صالح عبدالله صومل مؤذن مسجد الرحمة الذي يعتبر اول مسجد تم بناءه في مدينة مكيراس عاصمة المديرية التي كان يتوافد اليها جميع أبناء المديرية ويشجي سمعهم اذان الحاج صالح صومل خلال ساعات الليل والنهار لأعوام تلو الاعوام..
وقد هز خبر رحيله صفحات التواصل الإعلامية وانتشر في كل مكان وأصبح الجميع يتناقل خبر رحيله وكلهم يلهجون بالثناء عليه.. 

مات الحاج صالح.. توفي الرجل الزاهد والعابد.. رحل الانسان الذي توحدت القلوب على محبته ومعزته.. الانسان الذي ترك الأثر الطيب في قلوب الجميع..
رحل الحاج صالح صومل الى عالم الخلد.. رحل بعد ان رفع صوته بالأذان والابتهالات أكثر من خمسين عاماً.. رحل صاحب المقدمة الروحانية قبل كل اذان (صلاة يامصلين على النبي صلاة.. صلاة ياعباد الله صلاة) فكم صلينا بصوت اذانه سنين.. وكم افطرنا به سنين.. وكم أيقظنا للصلوات أعوام بعد أعوام.. وكم اشجانا بابتهالات شهر رمضان وتكبيرات الأعياد..

رحل الإنسان الذي ارتبطت حياتنا بصوته منذ ان عرفنا أنفسنا في هذه الحياة.. عشنا اطفالاً ونحن نسمع صدى صوته وننتظر اذانه قبل الإفطار.. ثم مرت بنا الأيام والسنين وكبرنا وما زلنا ننتظر سماع صوته قبل كل إفطار.. وها هو يودعنا الى الابد ويرحل الى عالم الاخرة تاركاً خلفه فصول من الحكايات والمآثر التي سيتذاكرها الأجيال.. وستبقى ذاكراه العطرة تلهج بها الالسن وسيبقى صدى صوته الموشح بمعطف الحنين يرن في وجداننا الى الابد ..لأنه رحل عن اعيننا فقط ولم يرحل من قلوبنا وخواطرنا ..ولن يرحل صدى صوتك من ذاكرتنا مدى الدهر .

رحل أشهر مؤذن عرفته مديرية مكيراس فقد عرفه أهالي المدن والقرى الذين يرتادون سوق مدينة مكيراس على مدى أكثر من نصف قرن من الزمن وصوته الشجي يسري الى القلوب ويملى صداه الاحياء والقرى والجبال والوديان ويردد الاذان بعده كل من يسمعه. 
وداعاً يا بلال مدينة مكيراس .. وداعاً يا صدى الأيام والليالي ..وداعاً يا انشودة الأصوات والابتهالات ..وداعاً يا ايقونة الزمن ..وداعاً يا فارس المحراب والصف الأول في المسجد ..وداعاً يا صاحب الصوت الجهوري بعبارة (يا رب صلي على النبي وآله ..ما انارت الدنيا بنور جماله ) وداعاً للعبارة التي لازمت مشوار حياتنا ( هل اذن صومل ) تلك العبارة التي لن نسمعها بعد اليوم مدى الحياة .. 

وداعاً يامن كان لصوته رنين في قلوب الرجال والنساء والأطفال على مدى أجيال بعد أجيال .. سيفقدك مصلاك.. وسيفقدك مسجدك الذي عرفك منذ تأسيسه.. ستفقدك مئذنة (منارة) مسجد الرحمة.. ستفقدك مكبرات الصوت التي لطالما لامستها يدك وتناغمت مع صوتك.. ستفقدك عصافير الفجر التي كُنتَ تُطرِبُها بالصّلاةِ خيرٌ من النّوم.. سيفقدك الصف الأول من المسجد فلم اعهد نفسي انني شاهدتك في صف غير الأول.. ستفقدك ابتهالات صلاة الصبح التي كان يدوي صداها ارجاء المدينة والمدن والقرى المجاورة.. ستفقدك تكبيرات الأعياد التي كانت تهز قلوبنا إيذاناُ بالعيد.. سيفقدك طريقك الذي تلامسه قدماك قبل كل الناس اثناء خروجك لصلاة الفجر.. سنفقدك في كل مناسبة دينة كنت تحييها بصوتك الشجي الذي تألفه القلوب.
فقيدنا الحاج صالح رحمه الله كان قلبه معلق بالمسجد فكان اول من يطرق باب المسجد في ساعات الفجر الأولى والجميع نائمون.. واول من يدوي صدى صوته بابتهالات واذان الفجر معلناً دخول يوماً جديداً.. وآخر من يخرج من المسجد.. كما كان اخر من يلامس اكفان اقاربنا الأموات اثناء توسيدهم في لحود المقابر..

اقولها وداعاً وقلبي يعتصر حزناً لغيابك وفراقك بعد ان فارقت بيننا الأيام والسنين على مدى عشر سنوات كنت خلالها أتمنى شوفتك وسماع الكلمة التي تقولها اول ما نتقابل ( كيف ابن محمد ) اشتقت لسماع صوتك مباشرة من مأذنة منارة المسجد والذي لن يتكرر ..فهو الصوت الوحيد الذي حفظه الجميع في قلوبهم وجوالاتهم وكمبيوتراتهم وقبل ذلك في وجدانهم وخواطرهم ...فلن ننساك حتى نرحل من هذه الحياة وسنظل نذكرك مع اشراقة كل يوم ومع اطلالة كل هلال شهر رمضان .. ومع ابتهالات كل جمعة ..ومع تكبيرات كل عيد .. سنذكرك مع هبوب نسائم صلاة العصر التي تطرق الوجدان.. سنذكرك خلال ليالي الشتاء الباردة التي كان صدى صوتك يكسر حاجب صمتها ويحول سكونها الى أصداء التكبير الخالدة وروحانيات وابتهالات يقتحم صداها القلوب مع أطياف ساعات الصباح الأولى والليالي المظلمة والباردة التي لم تمنعك من الخروج الى المسجد قبل جميع الناس رغم كبر سنك ودخولك في سن التسعين عاماً وأكثر..
لقد كان الحاج صالح صومل رحمه الله هامة دينية واجتماعية امثالها قليل.. نظراً لتواضعه ودماثة اخلاقه ولطف مجالسته.. ومدرسة لمكارم الاخلاق فمنذ ان عرفت نفسي لم اشاهده سوى في المسجد او في طريقه الى المسجد.. فلم اشاهده في سوق أو في احدى البوفيات.. ولم اعهد نفسي انني شاهدته يجالس كبار السن في أماكن تجمعهم لتبادل الحديث او في ساحة السوق او المقاهي او أماكن اللهو.. ولم اسمع منه يوماً كلمة سيئة او كذبة عابرة.. لم نراه سوى في أماكن الخير والعبادة ولم  نرى منه منذ ان عرفناه الا الصدق والمعروف والوفاء والسيرة العطرة وسيترك غيابه الابدي عن اعيننا فراغاً من الصعب ان يملأه احد . 

رحمك الله تعالى وطيب الله ثراك أيها الشيخ والحاج الفاضل صالح بن عبدالله صومل واسكنك فسيح جناته والهمنا واهلك وذويك جزيل الصبر والسلوان ...
عزائي لأولاد وبنات فقيدنا الحاج صالح ولجميع افراد قبيلة ال صومل وال ثابت وكافة أهالي مدينة مكيراس الحزينة ولجميع أهالي مديرية مكيراس والعواذل ..
انا لله وانا اليه راجعون 

الاعلامي الحزين صالح برمان