في غربة الروح 

لعل الحديث في غربة الروح حديث ذو شجون ، ولا يتسع المقام للبوح فيه ، ولكن سوف أوجز في هذا السياق ، متمنيا أن أسلم من الإيجاز المخل .   كنت في زمن المدرسة أقرأ من شعر المتنبي ، غير أنني وأنا أقرأ قصيدته التي قال فيها :

 ما مُقامي بِأَرضِ نَخلَةَ إِلّا ** كَمُقامِ المَسيحِ بَينَ اليَهودِ
أَنا في أُمَّةٍ تَدارَكَهااللَـ **ـهُ غَريبٌ كَصالِحٍ في ثَمودِ
كنت أشعر بشيء من الغصة والألم تعاطفا مع حاله ، وشعورا داخليا بما يعانيه من آلام الغربة النفسية ؛ لأنه كان يحمل هم أمة ، في الوقت الذي هو يعاني كثيرا من تلك الأمة التي ينتسب إليها ، لا لشيء إلا لأنه يحمل كثيرا من المعاني السامية التي يصعب على القوم تقبلها ، أو العمل بها ، ماجعله يجد نفسه غريبا في مجتمعه ، منبوذا بين قومه ...

فما إن كبرت حتى أدركت أكثر معنى الغربة النفسية التي كان يعيشها المتنبي وهو بين قومه ، فليس الغربة هي غربة المكان ، ولاهي غربة الزمان ، ولكنها غربة الروح ، أجل إنها غربة الروح ، فها أنا أرى بأم عيني كيف يحارب الصادقون ؟ وكيف يحارب الأحرار ؟ وكيف يحارب الثائرون على الباطل ؟ بل كيف يحارب كل ذكر أو أنثى يقول كلمة حق أمام سلطان جائر ؟ فالغربة الحقيقية هي غربة الأفكار والمبادئ والقيم التي تتأصل في شخص وتنعدم في آخرين .