فليت دونك بيدا دونها بيد

رحمك الله يا أبا الطيب إذ تركت لنا سفرا من المعاني شمل الحكمة ، والمثل السائر ، فضلا عن تجربتك الشعرية الغنية الثرية التي وقفت على كل صغيرة وكبيرة ، وتحدثت عن كل شاردة وواردة ، الأمر الذي مثل النبع الصافي ، والفرات الوافي ، يرده كل ظامئ ليرتشف منه مايروي عطشه ، ويبلل أحشاءه ، ويستعيد نشاطه فالعيد عند أرباب النفوس الكبيرة ، والهمم العالية لايتوقف عند القدرة على الحج في كل عام ، أو عند ذبح الأضحية ، وامتلاء الكرش باللحم والطعام ، أو التوجه نحو الملاهي والمتنفسات ، أو الذين يزاحمون في الطواف ، وعند الوقوف على المشاعر ، ورمي الجمرات ، وهم لايكلفون أنفسهم حتى التفكير في تطبيق مبدأ الولاء والبراء ، أو نصرة المظلومين والمستضعفين ، من إخوانهم المسلمين ، أو الاقتصاص من أولئك الفجرة الكفرة المشركين ، وكذلك الذين يصومون يوم عرفة ، وهم لايبكون لبكاء الثكالى ـ في غزة ـ والمضطهدين ، ولايتألمون لمصاب إخوانهم في فلسطين ، إنما العيد عند أولي الألباب والنجباء هو السعي الحثيث لإنقاذ هذه الأمة ، والعمل الدؤوب لرفع ماحل بها من الهوان وكشف الغمة ، ورص الصفوف بدلا من التمزق والفرقة .

العيد عند العظماء هو التكافل والوقوف في وجه المجاعة الزاحفة نحونا ، ومحاربة الأمراض والأوبئة القاتلة ، وهو النهوض العلمي بالمجتمع ؛ لأن من شأن ذلك حماية الأمة صحيا واقتصاديا وعسكريا وثقافيا وسياسيا وأخلاقيا ، والوصول بها إلى المصاف الحضاري والتنمية المستدامة ...