العلاقة بين العقل والمال

تُعَدّ العلاقة بين العقل والمال علاقة جوهرية، إذ إن النجاح المالي يبدأ أولاً من العقل. لذلك، ينبغي للإنسان أن يؤمن بأنه يستحق المال، وأن يستشعر في داخله الغنى والخير الكثير، ثم يركّز على تحقيق ذلك من خلال التفكير الإيجابي والعمل الجاد، والانضباط، والمثابرة المستمرة، والسعي الدائم وراء الفرص المتاحة التي تتناسب مع تطلعاته. لكن هذا النجاح يتطلّب الاستعداد لدفع الثمن من جهد وتضحية. غير أن الخطوة الأولى تكمن في التخلّي عن الأفكار السلبية المتجذّرة في العقل الباطن منذ الطفولة، مثل: "المال مرتبط بالبخلاء أو الأشرار" أو "أنا لا أحب المال". هذه المعتقدات تعيق التقدّم، ولذلك يجب استبدالها بمفاهيم إيجابية مثل: "المال وسيلة لتحقيق الخير" و"المال أساس للأعمال الخيرية". وبما أنّك شخص محبّ وكريم وعطوف، فإن المال يصبح متوافقًا مع رسالتك في نشر الخير في العالم. قال تعالى: ﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (العنكبوت: 62)

ومن القرارات الأساسية التي ينبغي اتخاذها: السعي الجاد، ووضع خطة واضحة للوصول إلى الاستقرار المالي، مع ضرورة التخلّص من "البرمجة القديمة" في العقل الباطن، مثل الاعتقاد بأن "المال لا يكفي الجميع" أو أنه "محصور فقط لدى الأغنياء". فالتحرر المالي يبدأ بتغيير المعتقدات الداخلية، وبالإيمان بأنك تستحق أن تعيش الحياة التي تطمح إليها. لقد كان في منطقتنا رجل مكافح يقطع المسافات البعيدة لجلب السلع أملاً في تحقيق الربح. كنت أراه يوميًا بعد صلاة الفجر متوجّهًا إلى عمله، وكان مستقيمًا في سلوكه، قنوعًا وراضيًا، مطمئنًا وممتنًا لحياته. كان يؤمن بأنه غني بفضل ما يملكه من رضا داخلي، ويظهر دائمًا بملابس أنيقة، ويهتم بصحته وسمعته وتربية أبنائه. وقد بنى بيتًا جديدًا بجهده، فكان بالنسبة لي قدوة في الصدق والأمانة وحسن التعامل. لقد أيقنتُ من تجربتي أن المال يمكن أن يكون مصدر حب وخير ومتعة، وأن الإيمان بقدرة الله تعالى على منح الرزق يُعزّز القدرة على جني المزيد من المال وتسخيره لتحقيق الخير الأسمى للجميع. ومن هنا أقول: إذا لم تكن لديك رغبة صادقة وعميقة في حيازة الثروة، فلن تتمكّن من تحقيقها. فوجود رغبة أكيدة يُعَدّ شرطًا أساسيًا للوصول إليها. للأسف، لم نتلقَّ في مدارسنا ثقافة مالية كافية توضّح لنا أهميتها للمستقبل. لذلك، ينبغي أن نحرص على تربية أبنائنا على أن الغنى يبدأ من النفس بالقناعة، والإيمان بأنهم أغنياء بما يملكون، فذلك يسهّل عليهم التعامل مع المال بثقة واتزان. وليكن يقيننا دائمًا أن الله سبحانه وتعالى قد جعل الأرض مليئة بالخيرات للجميع. قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (الملك: 15) وعليه، فإن السعي الدائم نحو تحسين أوضاعنا المالية يتطلّب تغيير نظرتنا الداخلية للمال ، والانطلاق بخطوات مدروسة نحو مستقبل أفضل يتناسب مع طموحاتنا.