المخلب الحوثي بين المآل والزوال.. والخطاب الغائب في مقابلة وتصريح ومقال

مع تجدد الهجمات الحوثية ــ التي وصلت هذه المرة إلى استخدام ذخائر عنقودية ضد إسرائيل ــ عادت اليمن لتتصدر بؤرة القلق الإقليمي والاهتمام العالمي. ثلاث مقاربات حديثة تلقي الضوء على هذا المشهد من زوايا مختلفة: مقابلة تلفزيونية مع السفير البريطاني السابق لدى اليمن «إدموند فيتون-براون»، تعليق له عبر منصة «لينكدإن»، ودراسة معمّقة نشرها الباحث الأميركي «إريك نافارو» في مجلة «ميدل إيست كوارترلي». هذه القراءات، وإن اختلفت في النبرة والتفاصيل، تكشف عن تباينات وتقاطعات في التفكير الغربي تجاه الحوثيين، لكنها جميعًا تسقط البُعد الحاسم: الدور اليمني على الأرض.

قراءة دبلوماسية واقعية
في مداخلته عبر قناة الـBBC، عرض «فيتون-براون» الهجمات الصاروخية الحوثية بوصفها امتدادًا لمسار طويل من التحرش بإسرائيل عبر وكلاء إيران. الجديد، في نظره، هو استخدام القذائف العنقودية، بما تحمله من نية واضحة لإيقاع أكبر قدر من الخسائر المدنية. ويشدد على أن الحوثيين ليسوا فاعلين مستقلين، بل امتداد مباشر لاستراتيجية طهران.
تحليله يرسخ نظرة واقعية باردة: إسرائيل قادرة على إيقاع ضرر أكبر، غير أن قدرة الحوثيين على الصمود و«تحمّل الألم» تجعل ردعهم أمرًا غير مضمون. النتيجة في نظره هي مواجهة بالوكالة ستستمر بلا حسم، لكنها لا تنذر بانفجار إقليمي واسع. قراءة متحفظة لا تقدم في النهاية مخرجًا من المأزق.

التصريح المقتضب: مواجهة حتمية
بعد المقابلة، كتب «فيتون-براون» على «لينكدإن»: «ليس سوى مسألة وقت قبل أن تُجبر الولايات المتحدة وحلفاؤها على مواجهة الحوثيين بشكل أكثر استراتيجية ومنهجية». العبارة لاقت صدى، لكنها بقيت مفتوحة بلا تفصيل: هل يقصد تعزيز الدوريات البحرية؟ أم تشديد العقوبات؟ أم التوسع في الضربات المباشرة؟ هكذا تبدو المقولة أقرب إلى تحذير عام منها إلى وصفة عملية.

مخطط إستراتيجي: شامل لكن إشكالي
«إريك نافارو»، الضابط في قوات مشاة البحرية الأميركية والخبير الأمني الإستراتيجي المخضرم، قدّم في مقالته في «ميدل إيست كوارترلي» (خريف 2025) ما لم يقله «فيتون-براون»: خطة تفصيلية لـ«تحييد» الحوثيين خلال 15 شهرًا. مخططه يجمع بين أسراب الطائرات المسيّرة، مناطق الاستبعاد البحري، عمليات التخريب، الهجمات السيبرانية، العقوبات، تحويل مسارات التجارة، وإعادة هيكلة الحوكمة. الهدف لا يقل عن الهزيمة النهائية والدائمة للحوثيين، بما يتماشى مع الدورات الانتخابية الأميركية.
التفصيل مثير للإعجاب، لكن المخاطر كذلك جسيمة. الخطة تفترض أن الحوثيين «لا يستجيبون إلا للقوة»، وتخاطر بالمبالغة في العسكرة، وتخضع الحقائق اليمنية للجداول الزمنية الأميركية. اعتمادها على اللامركزية كحل شامل يتجاهل الانقسامات العميقة داخل تحالف مناهضي الحوثيين في اليمن. وكما في استراتيجيات واشنطن السابقة في العراق وأفغانستان، ثمة خطر من وعدٍ بإزالة كلية حيث قد يكون الاحتواء المحدود أكثر واقعية.

الخطاب الغائب: الأقدام اليمنية على الأرض
القاسم المشترك بين القراءات الثلاث هو تجاهلها لعامل الحسم: وجود قوات يمنية فاعلة على الأرض. فبدون «الأقدام اليمنية» لن تجدي أي حملة جوية أو بحرية مهما بلغت كثافتها في اقتلاع الحوثيين من مدنهم ومرافئهم.
معركة الحُديدة عام 2018 تبرز هذا الدرس. فقد كانت القوات المناهضة للحوثيين التابعة للحكومة الشرعية على بُعد أقل من يوم من استعادة الميناء حين جمّد اتفاق ستوكهولم تقدمها تحت ضغط دولي. تلك العثرة حفظت للحوثيين شريانهم الاقتصادي، وإيرادات الجمارك، ونفوذهم على الممرات الإنسانية.
وفي ربيع 2025، حين أمطرت الغارات الأميركية الحوثيين بحرًا وجوًا، تكررت المعضلة. غياب الهجوم البري الموازي أفشل ثمار الضربات سريعًا. وما إن حل يوليو حتى عاد الحوثيون ليقصفوا مطار بن غوريون ويهددوا الملاحة في البحر الأحمر. لو أُتيحت للقوات اليمنية فرصة التقدم تحت غطاء النيران الأميركية، لكانت الحديدة قد عادت للحكومة، ولأصبحت صنعاء مهددة من مشارف مأرب.
هنا يبرز الخلل البنيوي في المقاربات الخارجية: التعامل مع اليمن كرقعة شطرنج للردع والهيمنة، مع إقصاء الفاعلين المحليين أصحاب المصلحة الوجودية.

تقاطعات وتباينات وخارطة طريق
ما يجمع بين «فيتون-براون» و«نافارو» هو إدراكهما أن الحوثيين خطر مزمن على الاستقرار الإقليمي وحركة التجارة العالمية، وأن الردود الجزئية غير كافية. لكنهما يفترقان في المدى والوسيلة: الأول يتبنى الحذر والواقعية، والثاني يغرق في التصورات القصوى. وفي الحالتين يتضاءل حضور العامل اليمني.
أي استراتيجية قابلة للحياة يجب أن تنهض على أربعة أعمدة:
1- احتواء التهديد البحري عبر تحالفات بحرية متعددة وتقاسم الأعباء.
2- قطع شرايين الدعم الخارجي بإحكام العقوبات على شبكات التهريب الإيرانية والانخراط الفاعل مع دول الجوار.
3- تمكين القوات اليمنية الشرعية لاستعادة المدن وتثبيت حضورها على الأرض.
4- نزع الشرعية عن الحوثيين بكشف انتهاكاتهم، مع تقديم بدائل تنموية ملموسة في المناطق المحررة.

خاتمة
تؤكد التجربة أن الحوثيين، سواء عبر الصواريخ الموجهة إلى إسرائيل أو القرصنة في البحر الأحمر، لن يُهزموا بالضربات الجوية وحدها، ولا بخطط أميركية مرتبطة بمواعيد انتخابية. واقعية «فيتون-براون»، وتحذيره على «لينكدإن»، ومخطط «نافارو» الشامل، كلّها تضيء جوانب من التحدي. لكن الخطاب الغائب – الدور الحاسم للأقدام اليمنية على الأرض – يظل حجر الزاوية. فبدون أن تقترن القوة النارية الخارجية للإستراتيجية الدولية بتقدم ونهوض يمني مدعوم، سيظل العالم عالقًا في حلقة الاستفزاز والرد وفي دورات أزمة متجددة في البحر الأحمر.