لم نخلق لندفن أحياء

في وطن صارت الحياة فيه صراعا يوميا من أجل البقاء، لم تعد الكرامة ترفا، بل معركة. لا ماء نظيف، لا دواء سليم، لا مستشفى تأمن أنك ستخرج منه حيا، ولا مدرسة تعلم ابنك ما يصنع له غدا مختلفا. في هذا الوطن حتى الهواء ملوث بالحزن، وحتى النوافذ لا تفتح على الأمل.
إذا كنت تملك مهارة في يديك، صنعة، مهنة… فاحمل من تحب وارحل.  
ليس لأنك خائن، بل لأنك تحبهم بما يكفي لتمنحهم فرصة في الحياة. لأنك لا تريد أن تراهم يتآكلون أمامك، يذوبون بصمت كشموع في غرفة لا يراها أحد.
ماذا بقي لنا هنا؟  
كل شيء يتراجع انظروا الصحة، التعليم، الأخلاق، الفرص.  
المستشفيات صارت ممرات للألم لا ممرات للشفاء.  
الأسواق صارت لعنة على الفقراء، ووليمة مفتوحة للفاسدين.  
أما الشوارع، فهي تحمل وجع الناس ولا تشتكي لكنها تشهد.

لا تسمع من يقول لك اصبر، فقد صبرنا كثيرا حتى ماتت فينا الرغبة بالحياة. ولا تصدق من يهمس في أذنك ستتحسن الأحوال، فالحال يغرق كل يوم أكثر.  
الهجرة ليست خيانة، بل محاولة أخيرة للنجاة. الخيانة الحقيقية أن تبقى هنا وأنت ترى أبناءك يدهسون ويحرمون من أبسط حقوقهم، وأنت لا تملك حتى الحق في الصراخ.
الله جعل الأرض واسعة، ونحن من ضيقناها على أنفسنا بجبننا، بصمتنا، بخوفنا.
اهرب إن استطعت،  
هربا من الذل، من القهر، من الجوع.

اهرب لأجل من تحب، لأجل من يستحق أن يحيا حياة كريمة، لا أن ينتظر موتا نظيفا في بلد لم يعد يحتضن إلا الفوضى والخيبات.
ففي السفر بركة، وفي النجاة حياة، وفي القرار الشجاع بداية جديدة.