مصائد الشهوات سلاح خفي يهدد الأفراد والأوطان
بقلم: حسن الكنزلي
في زمن لم تعد فيه الحروب تقتصر على ساحات المعارك والدبابات؛ برزت جبهات جديدة لا تقل خطورة؛ بل ربما أشد تأثيرا؛ جبهات تستهدف النفوس والعقول، وتستغل الضعف الإنساني لتدمير الأفراد والمجتمعات من الداخل. ومن أخطر هذه الأساليب ما يُعرف في أدبيات الاستخبارات بـ"مصيدة العسل" (Honey Trap)؛ أي استغلال الشهوة والعاطفة، وخاصة عبر النساء؛ لاختراق النفوس وتجنيد العملاء.
لقد حذّرنا النبي صلى الله عليه وسلم منذ أربعة عشر قرنا من خطورة هذه الفتنة، فقال: «ما تركتُ بعدي فتنةً أضرّ على الرجال من النساء» [رواه البخاري ومسلم]. وجاءت آيات القرآن لتضع سياج الحماية حول المؤمنين، فقال تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ [النور: 30]. فالمسألة ليست مجرد رغبة شخصية؛ بل أمنٌ ديني واجتماعي وقومي.
مصائد الشهوات ليست قصصا من وحي الأفلام؛ بل واقع موثق في أراشيف الاستخبارات! من الحرب الباردة بين الشرق والغرب، إلى تسريبات وتقارير معاصرة، وصولا إلى حالات علنية كشفتها تحقيقات إعلامية، نرى كيف يُستخدم الإغراء والتصوير السري والابتزاز كوسائل لتوريط الضحايا وتحويلهم إلى أدوات بيد أجهزة أجنبية.
الآلية واضحة؛ يبدأ الأمر بابتسامة دافئة أو اهتمام مصطنع، ثم لقاء خاص يُسجل خفية، وبعدها تبدأ الضغوط؛ إمّا التعاون، أو الفضيحة. وقد تُؤرشف المواد لسنوات طويلة لتُستخدم لاحقا حين يتولى الضحية منصبا حساسا. إنها لعبة قذرة لا ترحم أحدا.
من يقع في هذا الفخ يتعرض لثلاث كوارث متتابعة:
- ضربة روحية؛ إذ يخسر صفاء إيمانه، ويعصي الله في أخطر ما أوصى بحفظه.
- ضربة نفسية؛ إذ يعيش في قلق دائم وخوف من الفضيحة.
- ضربة اجتماعية؛ إذ تنهار سمعته، وتتفكك أسرته، ويصبح موضع احتقار في مجتمعه.
والأخطر أن السقوط لا يقتصر على الفرد؛ بل قد يُستخدم لتقويض أمن وطن بأكمله!
والفرائس الأسهل غالبا هم:
- المبتعثون في الخارج بعيدا عن أوطانهم وأهلهم.
- المسافرون الذين يعانون من الوحدة والاغتراب.
- ضعاف الوازع الديني والوعي الأمني.
لذلك فإن الوقاية لا بد أن تبدأ من البيت، وتمتد إلى المدرسة والجامعة، وتتكامل مع برامج التوعية التي تُعدّها الدولة وسفاراتها.
فالمواجهة ليست مسؤولية الفرد وحده. إنها مسؤولية الأسرة والدولة والمجتمع معا. فالدولة مطالبة بتأهيل المبتعثين قبل سفرهم عبر برامج شاملة دينية وأمنية ورقمية، وتوفير خطوط دعم عاجلة في حالات الطوارئ. أما الأسرة، فعليها أن تغرس منذ الصغر قيم العفة ومراقبة الله؛ لأن الشاب الذي نشأ على الاستقامة يصعب أن يُصاد بسهولة.
مصائد الشهوات حرب ناعمة؛ لكنها شرسة، تستهدف الدين والكرامة والوطن. وهي تبدأ بنظرة عابرة أو محادثة عابثة، ثم تتحول إلى سلسلة من الذل والابتزاز. الوقاية منها ليست خيارا؛ بل واجبا شرعيا وأمنيا. قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 32].
ومن غلب هواه؛ صان نفسه ووطنه، ومن استسلم لهواه؛ باع دينه وكرامته بثمن بخس.
حفظ الله كل مسافر من عدو غادر ماكر، ودمتم سالمين!