أبين معاناة مضاعفة بين التعافي وواقع الإهمال

رغم أن معظم المحافظات اليمنية بدأت تلمس بعض التعافي النسبي في الخدمات العامة واستقرار سعر الريال؛ تبقى محافظة أبين استثناء قاسيا يختصر صورة المعاناة المركبة التي يعيشها المواطن اليمني في أبشع صورها!

بينما المواطن في محافظات أخرى يحلم بساعات إضافية من الكهرباء بعد أن تحسنت الخدمة نسبياً، يعيش أبناء أبين في ظلام حالك يكاد لا ينقطع. الكهرباء هنا ليست خدمة غائبة فحسب؛ بل هي شريان حياة مفقود، يعطل التعليم، ويقيد المستشفيات، ويزيد معاناة الأسر الفقيرة التي لا تستطيع شراء بدائل باهظة الثمن.

وما إن يترقب الناس بارقة أمل بعودة الكهرباء؛ حتى يفاجأوا بانقطاع المياه؛ لتكتمل دائرة المعاناة. الماء الذي جعله الله سبباً للحياة، يتحول في أبين إلى أزمة خانقة تضع الأسر بين خيارين أحلاهما مر؛ شراء المياه بأسعار باهظة، أو العيش تحت وطأة العطش والحرمان.

وإذا كانت بعض السلع الرئيسية قد شهدت تحسناً في وفرتها، فإن الخضار ـ وهي من أساسيات الغذاء اليومي ـ ظلت غائبة أو باهظة الثمن، في مشهد يعكس قصور السلطة المحلية عن القيام بواجبها في إدارة الأسواق وضبط التجار. والنتيجة مائدة ناقصة، وغذاء يزداد فقرا على فقر.

الأدهى من ذلك أن أسعار المواصلات، وهي عصب الحياة اليومية للطلاب والموظفين والعمال، بقيت على حالها، رغم أن جميع مركبات النقل في أبين تستهلك الغاز المنزلي، وهو وقود رخيص مقارنة بالديزل والبترول؛ ففي الوقت الذي خفّضت فيه بقية المحافظات أسعار المواصلات؛ استجابة لانخفاض كلفة التشغيل؛ بقيت أبين رهينة جشع بعض السائقين وصمت السلطة المحلية؛ لتظل جيوب المواطنين تُستنزَف بلا رحمة.

إن ما تعيشه أبين اليوم ليس مجرد اختلالات خدمية؛ بل هو انعكاس مباشر لفشل الإدارة المحلية في القيام بواجبها الرقابي والخدمي؛ فالخدمات التي غابت، والسلع التي ارتفعت، والأسعار التي لم تنخفض، كلها مؤشرات على غياب المساءلة، وترك المواطن وحيدا يواجه أعباء الحياة دون سند.

والواجب المطلوب من السلطة المحلية أن تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية؛ بتفعيل الرقابة على الأسواق، وإلزام سائقي المواصلات بالتسعيرة المنطقية، والإسراع في معالجة أزمات الكهرباء والمياه.

ومطلوب من الحكومة أن تنظر إلى أبين بعين العدالة؛ فلا تبقى استثناءً سلبيا في مشهد التعافي النسبي.

 مطلوب من المجتمع المدني والإعلام أن يفضح ا مظاهر الفساد والإهمال، وتبني هموم الناس والدفاع عنها.

ومطلوب من العلماء والدعاة أن يذكّروا بأن التقصير في حقوق العباد ظلم عظيم، وأن أكل أموال الناس بالباطل أو تركهم فريسة للمظالم معصية لا تقل خطورة عن المعاصي الفردية.

أبين اليوم ليست بحاجة إلى وعود جديدة؛ بل إلى أفعال ملموسة تعيد لها أبسط حقوقها في حياة كريمة. فالماء والكهرباء والغذاء والمواصلات ليست كماليات؛ بل أساسيات تحفظ للإنسان آدميته. وترك أبين في هذا الوضع المأساوي جريمة صامتة في حق الإنسان وحق الوطن.

والخلاصة أبين تختصر حكاية المعاناة المركبة في اليمن، لكنها في الوقت نفسه تكشف حجم الإهمال الإداري وغياب العدالة بين المحافظات. وإنصاف أبين ليس ترفا سياسيا ولا منّة من أحد؛ بل واجب وطني وإنساني وديني لا يقبل التأجيل.

نسأل الله أن يجعل لأبين فرجا ومخرجا!

ودمتم سالمين!