علم الإنسان مالم يعلم ...

ما إن أمسكت بقلمي لأدون شيئا عن وضع المعلم في بلادي إلا وقد سبقتني دموعي تنهمر حتى بللت الأوراق ، وتزحلقت على جدران القلم ، الأمر الذي أصاب الأنامل بالارتعاش وعدم الاتزان .

توقفت قليلا عن الكتابة لعلي أستطيع العودة إليها مرة أخرى بعد أن تتوقف الدموع ، وأكتسب المناعة ، وتعود الثقة . لكن دون جدوى ؛ إذ حملني الخيال إلى ماهو أبعد من ذلك ، عرج بي على غار حراء ، فكنت أنظر إلى سيدي وحبيبي وقدوتي ورسولي محمد بن عبد الله (ص) ، والروح جبريل - عليه السلام ـ يلقنه: " اقرأ باسم ربك الذي خلق...اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان مالم يعلم " فانهمرت الدموع مرة أخرى ، لكن الخيال لن يتوقف عن حملي ؛ إذ وجدت نفسي وجها لوجه أمام أمير الشعراء ، وهو يخاطبني قائلا: كيف أضعتم البوصلة أيها الأجداد في بلاد العرب السعيدة ؟ كيف تنكرتم للمعلم وتخليتم عن العلم وجوعتم العلماء ؟ أولم يكن المعلم هو حامل رحل الغذاء والكساء للأمة وفي يده مشعل التنوير ؟ أولم تعلموا أن العلم هو الحياة والمعلم هو من يزرعها في المجتمع كزراعة الروح في الإنسان ؟ أولم أنبهكم ذات يوم إذ وضعت المعلم في منزلة الأنبياء والرسل؟ حين قلت :

قم للمعلم وفه التبجيلا ** كاد المعلم أن يكون رسولا

أجل ياسيدي ، ولكننا لم نعد تلك الأمة التي علمت الأمم الصناعة والزراعة وفنون بناء السدود وقنوات الري التي مازالت تبهر أولي الألباب إلى يومنا هذا ، لقد عاد الكثير منا ياسيدي إلى عبادة الأصنام ، والتمسح بالأوثان ، ثم انصرفت عنه ، ووجهي قد اسود من الخجل ، ونفسي قد انكسرت من الحياء ، وإذا بالخيال قد وضعني في قاعة الأمم المتحدة لظلم الإنسان. سألني أحدهم لماذا أنتم في بلاد العرب السعيدة تصنعون الجهل وتزرعون التجهيل إذ أوقفتم راتب المعلم وجوعتموه وهو لبنة الأساس لبناء المجتمع والعمود الأقوى الذي تطل من عليه التنمية المستدامة ، وتحقيق الرفاه والعيش الكريم لأي مجتمع على البسيطة ؟ قلت له : ما المسؤول بأعلم من السائل ياهذا ...