المعلم الحاضر الغائب!!
ليست كل الحكايات تبدأ بالغياب، فبعضها يبدأ بالحضور أيضا ولكنه حضور أشد فتكًا من الغياب، كيف ذلك؟؟،
في إحدى المدارس هناك معلم يُعرف بين الطلاب بأنه "السيد توقيع"، لا لأنه يملك خطًا جميلًا، بل لأنه لا يكاد يرى في الحصة إلا وهو يوقع على الدفاتر، يدخل الصف متأخرًا بخمس دقائق وفي مرات أكثر يجلس متأففًا في حجرة الصف وكأنه قد زج به في زنزانة، ثم يقول بجفاف لطلابه، "اكتبوا من صفحة 13 إلى 19"، وبعد عشر بالضبط "قبل انتهاء الحصة" يقف وهو ينفض الغبار عن يديه مغادر كما جاء لا شرح، ولا نقاش، ولا تعليم فقط حضور شكلي.
وفي حالات نادرة إذا قرر وتكرم أن يلقي نظرة على دفاترهم مد قلمه بخط مستقيم في منتصف الورقة، وكتب "جيد، لوحظ" ثم وقّع وانصرف!!، لا يعرف ماذا كتبوا على وجه التحديد وهل كانت الاجابات صحيحة أم لا، وأكاد أجزم أن البعض من تلك الشريحة من المعلمين لا يعلم أن كانت الاجابات تتخللها بعض الشتائم له، فهو لايهتم ولايكترث، فقد أنهى "واجبه" الوظيفي وكل شيء صحيح.
هذه القصة ليست خيالية بالكامل بل هي مشهد متكرر نقلتها بتصرف في كثير من المدارس، حيث يتحوّل التعليم إلى روتين فارغ من المضمون، ويصبح وجود المعلم بلا أثر، وكأنه غائب جسدًا وروحًا حتى وأن كان بالفعل حاضر، يتأفف ويجري اتصالات هامشية عبثية لقتل الوقت المقرر للحصة، أو ضرب الطلاب جماعيًا على أتفه سبب لتمييع الوقت، ثم يعود يفرقع أصابع يده ويتثائب، يضيق صدره وكأنه سوق به الى الغرفة رقم 401 التي كان يجرى فيها قطع الرقاب!!.
أقسم لكم أن مصيبة التعليم ليست في غياب المعلم فحسب لالا.. بل في حضوره!!،
كيف في حضوره؟!
نعم في حضوره الباهت عندما يصبح الحضور مجرد خانة تُملأ في جدول لا قيمة له ولا فائدة،
فالطلاب لا يحتاجون لمن "يحضر"، بل لمن "يؤثّر" و"يبني" و"يلهم".
هناك قاعدة مشهورة تقول "ليس كل حاضر مفيد، كما أن ليس كل غائب ملام"، فالمعلم الذي يحضر دون روح، ولا يُشعل في طلابه شرارة المعرفة، هو كالغائب تمامًا، بل أشد وطأة، التعليم رسالة لا وظيفة، وأمة لا ينيرها معلموها، سيطفئها الجهل مهما كثر الحضور وازدحمت الفصول،
فليكن حضورنا في الميدان التربوي حضور أثر لا حضور عدد، أتمنى أن تتلاشى تلك الظاهرة ويعود وضع التعليم إلى سابق عهده.