ملامح المرحلة الثانية من خطة الإنقاذ والتعافي

تدخل الحكومة اليمنية اليوم مرحلة جديدة من خطة الإنقاذ والتعافي، تمثل الانتقال من «مرحلة الإنقاذ» التي نجحت في وقف النزيف الاقتصادي واستعادة الحد الأدنى من الثقة، إلى «مرحلة التعافي» التي يُفترض أن تنقل البلاد نحو النمو والاستقرار المالي والمؤسسي.

لكن هذا الانتقال لا يمكن أن يتحقق ما لم تُعالَج جذور الانقسام السياسي والمؤسسي الذي ما زال يشكل أكبر عقبة أمام الإصلاحات.
فخلال الأعوام الماضية، عانى الاقتصاد اليمني من ترهل مؤسسات الدولة وتعدد مراكز القرار وتضارب السياسات النقدية والمالية، ما جعل أي رؤية تصحيحية تصطدم بجدار التعقيد السياسي.

أما اليوم، ومع منح رئيس الحكومة صلاحيات مالية وإدارية كاملة، تبدو الفرصة سانحة لإطلاق مرحلة التعافي الفعلي، شريطة تحييد الصراعات التي عطلت الأداء الحكومي في السابق.
غير أن هذا التفاؤل يصطدم بواقع مؤسسي هش؛ فتعطل مجلس النواب والمجالس المحلية خلق فراغًا تشريعيًا ورقابيًا جعل الحكومة تعمل دون مظلة دستورية فاعلة.
كما أن انقسام المجلس الرئاسي بين رؤى وولاءات متباينة انعكس على وضوح السياسات الاقتصادية وأحدث حالة من الشلل في الأداء العام، وهي المظاهر التي حذرنا من توقع حدوثها في مقالاتنا المنشورة أثناء تشكيل المجلس خلال عام 2022، والتي حملت عناوين:
(هل سينجح الرئاسي اليمني في تجاوز هذه المعضلات؟) و(مقومات نجاح المجلس الرئاسي اليمني) و( الأدوار الغائبة للمجلس الرئاسي اليمني). 
لقد أدى غياب اللوائح المنظمة لعمل المجلس الرئاسي إلى ازدواجية القرار وضياع بوصلة الاتجاه العام، وتسبب ذلك في انقسام المؤسسات العسكرية والمالية، وظهور الجبايات غير القانونية، وتعطيل لجان الرقابة المالية البرلمانية.
وهذا الانقسام يمثل —في تقديري— أحد أكبر العوائق أمام نجاح المرحلة الثانية من خطة الإنقاذ والتعافي.
إن تحييد آثار الانقسام الرئاسي بات شرطًا جوهريًا لنجاح مرحلة التعافي. فنجاح الخطة يتوقف على تمكين رئيس الحكومة من إدارة الملفين المالي والإداري بكامل الصلاحيات، بعيدًا عن أي وصاية أو تدخل من أطراف داخلية أو خارجية.
هذا القرار —إذا ما طُبّق بصرامة— سيمنح الحكومة القدرة على استغلال الموارد النفطية والغازية والموانئ وفق خطط شفافة ولو على المستوى المحلي، لتقليل فاتورة الاستيراد وتنشيط السوق الداخلية وتحسين الأجور.
تزامن هذه المرحلة مع رغبة دولية حقيقية لتحقيق سلام شامل في اليمن، وعودة صندوق النقد الدولي للتعامل مع الحكومة بعد انقطاع دام أكثر من عقد، يعزز من فرص النجاح ويمنح رسالة ثقة للمجتمع الدولي والمحلي على حد سواء.
لكن هذه الثقة لن تُترجم إلى نتائج إلا إذا رافقها إصلاح حقيقي في منظومة الإدارة العامة، واستقلالية تامة في القرار الاقتصادي.

وأرى أن نجاح خطة الإنقاذ والتعافي يتوقف على أربعة عوامل رئيسية مترابطة:
أولًا: الاستفادة من جميع الموارد الوطنية ضمن منظومة شفافة تخضع للرقابة الحكومية، وتضمن توجيه العائدات نحو الأولويات الاقتصادية والخدمية.
ثانيًا: إعادة تفعيل مؤسسات الدولة الدستورية، وفي مقدمتها مجلس النواب والمجالس المحلية والهيئة العليا لمكافحة الفساد، لضمان الرقابة والمساءلة والتمثيل الحقيقي لصوت المواطن في صنع القرار، بعيدًا عن عشوائية الادعاءات الشعبوية التي تحاول فرض نفسها كممثل للشارع خارج الأطر القانونية والمؤسسية.
ثالثًا: تجديد النخبة الإدارية واستقطاب كفاءات شابة تمتلك الخبرة التقنية الحديثة والنزاهة، بعيدًا عن المحاصصة السياسية التي عطّلت الأداء وأهدرت الطاقات.
رابعًا: تخطيط مؤتمرات اقتصادية وتنموية موجهة بعناية لترجمة سياسات خطة التعافي إلى برامج عملية واقعية، تشمل تحويل المساعدات الإنسانية إلى مشاريع تنموية تعزز الشراكة مع القطاع الخاص، وتدعم التعافي المجتمعي والخدماتي، وتطرح برامج مالية ذكية تترجم سياسات التقشف بشكل عملي، وتُسهم في تحديث النظام المالي والمصرفي وتوحيد الإيرادات السيادية.

إن نجاح المرحلة الثانية من خطة الإنقاذ والتعافي لن يتحقق إلا بعودة الدولة بمفهومها الحقيقي: سيادة القانون، والمساءلة، والشفافية.
فبدون ذلك، ستظل الخطط الاقتصادية —مهما كانت محكمة— مجرد وعود مؤجلة في سجل الأزمات اليمنية.