تواطؤ الأمم المتحدة مع المليشيات الحوثية منذ بداية الحرب الانقلابية

منذ اندلاع الحرب في اليمن نتيجة انقلاب المليشيات الحوثية على الدولة ومؤسساتها الشرعية، لاحظ اليمنيون عن كثب الدور السلبي والمثير للجدل الذي مارسته الأمم المتحدة في تعاملها مع هذه المليشيات الإجرامية. فبدلاً من أن تكون الأمم المتحدة راعية للسلام وممارسة لدورها كوسيط محايد، تحولت في نظر الكثير من اليمنيين إلى عامل من عوامل إنقاذ المليشيات الحوثية، بل وتقديم الغطاء الإنساني والسياسي الذي ساعدها في البقاء والاستمرار.


في أكثر من مرحلة فارقة، كانت المليشيات الحوثية على وشك السقوط عسكرياً وسياسياً نتيجة الضغط الشعبي والمقاومة الوطنية والعمليات العسكرية، لكن التدخل الأممي تحت لافتة السلام أو الوضع الإنساني جاء في كل مرة ليمد هذه الجماعة بشريان حياة جديد. سواء عبر وقف العمليات العسكرية التي كانت قاب قوسين من إنهاء التمرد، أو من خلال التسهيلات التي حصلت عليها المليشيات في المنافذ والمساعدات الإنسانية التي استولت عليها، ما عزز من قدراتها اللوجستية والاقتصادية على حساب معاناة الشعب اليمني.


لم تكتف الأمم المتحدة بتقديم تسهيلات غير مباشرة للحوثيين، بل مارست في الوقت نفسه ضغوطاً مستمرة على الحكومة الشرعية، لدفعها إلى تقديم تنازلات عسكرية وسياسية واقتصادية كبيرة دون مقابل حقيقي. إذ ظهرت العديد من المبادرات والاتفاقيات التي تم صياغتها بطريقة ترضي الحوثيين وتشرعن واقعهم الانقلابي، بينما لم تُلزم الأمم المتحدة المليشيا الحوثية بتنفيذ ما وقعوا عليه من تعهدات، سواء في اتفاق ستوكهولم أو غيره من المسارات.


إن هذا التحيز الواضح شجع المليشيات على التمادي في ممارساتها، وضاعف من معاناة الشعب اليمني، كما رسخ الانطباع الشعبي بأن الأمم المتحدة باتت تُستخدم كأداة لخدمة المشروع الحوثي، لا كضامن لحقوق الإنسان ولا كحامل لمشروع سلام حقيقي.


لقد أصبح تغاضي الأمم المتحدة عن جرائم العصابة الحوثية سبباً رئيسياً في إطالة أمد الأزمة اليمنية، وساهم في خلق بيئة يشعر فيها الجاني بالأمان من العقاب، بينما يُترك الضحايا يواجهون مصيرهم وحدهم.


والمفارقة التي تثير الاستغراب كيف تقبل الأمم المتحدة أن تظهر بمظهر الضعف والعجز أمام مليشيا مسلحة خارجة عن القانون؟ وكيف تواصل تعاطيها المتسامح مع جماعة تمارس الانتهاكات حتى ضد موظفي الأمم المتحدة أنفسهم؟ إذ تشير التقارير إلى وجود عدد كبير من موظفي المنظمات الأممية في سجون هذه المليشيات دون أي تحرك حقيقي من المنظمة الأم.


إن استمرار الأمم المتحدة في هذا النهج يفقدها ما تبقى من مصداقيتها في اليمن، ويدعو إلى مراجعة شاملة لدورها وطرق تعاطيها مع الأزمة. فالشعب اليمني لا يطلب المستحيل، بل يطالب بدور أممي عادل، يقف مع الحق، ويعمل على تنفيذ قرارات مجلس الأمن، لا على تجميل وجه جماعة انقلابية خارجة على القانون.