العميد البكري... القائد الذي صاغ المجد من رحم المعركة
ليس كل من حمل السلاح يُدعى قائدًا، وليس كل من ارتدى البزة العسكرية يستحق أن تروى سيرته، إلا أن العميد أحمد محمود البكري ، قائد لواء الشرطة العسكرية الجنوبية، كان استثناءً في زمن الندرة. قائدٌ من طراز فريد، جمع بين الحنكة والهيبة، وبين الصرامة والرؤية، رجلٌ إذا تكلم أوجز، وإذا أمر أطاعته الرجال، وإذا حضر عمّ الانضباط، وإذا خاض معركة عاد بالنصر أو لا يعود.
في زمنٍ تكالبت فيه الفتن، وتهاوت فيه القيم، كان العميد البكري جبلًا لا تهزه العواصف، وسيفًا مسلولًا في وجه الفوضى، ودرعًا متينًا للوطن في أوقات الانكسار. لم يكن جنديًا عاديًا، بل صانع قرار، ومهندس ميدان، ومفكر أمني، يعرف متى يضرب، وأين، وكيف.
منذ نعومة أظافره، لم يكن يحلم بمجدٍ شخصي، بل كان يحمل مشروع وطن في عقله وقلبه، يتنفس الانتماء ويؤمن بأن الكرامة لا تُنتزع إلا بالقوة، ولا يُصان الوطن إلا بالرجال. لم يكن فقط عسكريًا جسورًا، بل سياسيًا محنكًا، واجتماعيًا راقٍ، ودبلوماسيًا يعرف من أين تُؤكل ملفات الدولة، ومن أين تبدأ معارك الإنجاز.
في أصعب اللحظات، وأشد المراحل سوادًا، حين تساقطت مدن، وانفرطت عقد السيطرة، وارتفعت رايات التمرد، برز اسم العميد البكري كقوة حاسمة، وقيادة استثنائية. لم يتردد يومًا في خوض غمار المعركة، ولم يخذل رجاله في ساحات النزال. كانت خطواته ثقلها من حديد، وصوته قانون، وقراراته أحكام لا تُراجع.
عدن، التي كانت مرتعًا للفوضى ومأوى للفصائل المسلحة، تحولت في عهده إلى قلعة منيعة، وإلى جوهرة أمنية لا يُخرق سوارها. بصرامته، وخططه المحكمة، أعاد إليها هيبتها، ونزع سلاح الفوضى من أيدي العابثين، وأعاد للدولة سيادتها، وللقانون كلمته، وللمواطن أمنه.
العميد البكري لم يكن رجل المكاتب، بل رجل الميدان، عينه على كل شبر، وخطته لا تحتمل الخطأ. لم يكن يطلب المجد، بل يفرضه. لم يكن يسعى للثناء، بل يزرع الانتصارات، وينسج الأمن بخيوط من نار وإرادة فولاذية.
لم يقف عند الإنجاز، بل اعتبره محطة في طريق طويل نحو الكمال الأمني والسياسي. رفض الراحة، وواصل الليل بالنهار، يقود جنوده بعين الصقر، وقلب الأسد، وسيف لا يصدأ.
إن العميد أحمد محمود البكري، قائد بحجم وطن، لا يمكن أن تفيه الكلمات حقه، ولا أن تُختزل مسيرته في مقال أو خطاب. هو مدرسة عسكرية ووطنية وأخلاقية متكاملة، هو النموذج الصلب للقائد الذي لا تضعف عزيمته، ولا تتراجع همّته، ولا يُقهر في ميدان، ولا يُهزم في معركة.
اليوم، تُذكر عدن كأنشودة أمنٍ وازدهار، ويُذكر معها اسم العميد البكري كعنوانٍ صارخٍ للهيبة والهيمنة والانتصار. قائدٌ لا يرضى بأنصاف الحلول، ولا يعرف المناطق الرمادية، فإما سيادة... أو لا وطن.
فالقيادة لا تُمنح... بل تُنتزع، والبكري انتزعها من قلب المعارك، وكتب اسمه بمداد من نار، ومجدٍ من ذهب.